Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/11/2008 G Issue 13186
الثلاثاء 06 ذو القعدة 1429   العدد  13186
المنشود
آسِفٌ، أنا!!
رقية سليمان الهويريني

نعيش في هذه الحياة وكأننا ولدنا بلا أخطاء، فكما أننا نعيش أياماًً سعيدة مع أشخاص يكنون لنا المحبة والتقدير، ويراعون مشاعرنا فلا يبدون إلا ما يسرنا، ويضيئون شموس أيامنا بالفرح فلا يظهرون إلا ما يسعدنا، ويوقدون أقمار ليالينا بالسرور، إلا أن ثمة أياماً تعيسة لا بد وأن تعترضنا فيجرح بعض أولئك الأحباء مشاعرنا ويؤذونها؛ إما بالكلام القاسي أو التصرفات الحمقاء، فتنقلب تلك السعادة المشرقة في نفوسنا إلى بؤس وشقاء حالك يخيم على قلوبنا فيصبغها بالسواد، بل قد تتحول العلاقة الجميلة إلى كره وبغضاء، فيكتسي نهارنا بالدجى بعد أن كان ليلنا يضيء بقناديل الحب والعطاء.

ومن الطبيعي أن نغضب ونحزن، وقد نتكور على ذواتنا، تتحلب المرارة في أفواهنا، وتستمطر نفوسنا الحزن فترتوي بغيث الوحدة، وتشتعل بالغضب، وتتأجج بنار الحنق!

وجميل أن نعطي قلوبنا المساحة الكافية بما تحتاجه من شتى أنواع الأسى حتى الارتواء، فالنفس تجنح للحزن وتميل لاستجلاب الأسى حين تصاب بالخيبة، هكذا خُلقت وهكذا ستظل!! وفي الوقت الذي ينبغي أن نبقى على اتصال مع ما يجري داخل قلوبنا، يحسن بنا ألا نستمرئ ذلك الحزن حتى لا يتحول إلى كآبة ويأس.

وبالمقابل قد نكون نحن الأبطال في مسرحية جرح المشاعر، بيد أننا قد لا نعترف أبداً بقيامنا بهذا الدور الوحشي، ولا نقر بشراستنا تجاه الآخرين. وإن اعترفنا فإن لدينا ما يكفي من دواع ٍوأسباب ٍللقيام بهذا العمل، وعندنا الكثير من المبررات والدوافع التي تخول لنا جرح الآخرين، ومن ثم فإننا قد نتجاهل مشاعر الألم لديهم، لنجد أنفسنا أقدر من يقدم الأعذار ويبررها، بينما نتردد ونحجم عن تقديم الاعتذار، بل لا نعرف أبسط أدبياته أو أدق أبجدياته إما بسبب المكابرة أو الشموخ أو بسبب النزعة الذاتية المسيطرة داخل نفوسنا تسقيها جداول من ضعف الثقة بالنفس وقليل من تذوق جمال الاعتراف بالخطأ.

وكثير منا يرى أن الاعتذار هزيمة رغم أنه يشكل القوة في المقدرة على كبح جماح النفس. ودحر الهوى، بل إنه أكبر مذيب لدهون الغضب، ومطهر لجروحها، وعلاج لتسمم النفوس، ورباط لكسورها ومرمم لتصدعاتها.

إن الاعتذار ثقافة راقية لا يجيد ممارستها الكثيرون، وفن جميل لا يحسنون تذوقه، ويقصر عن فهمه ذوو النفوس الجبانة الذين لا يستطيعون مواجهة أخطائهم بسهولة، وبالتالي لا يستطيعون تحمل مسؤولية تبعاتها، فضلاً عن أنهم لا يقيمون لعلاقاتهم الإنسانية مع الآخرين أدنى اهتمام، ولا يعولون عليها أهمية. فإن جرحوا عزيزاً، أو آذوا حبيباً، أو أضروا غالياً عليهم فلا ترى أرواحهم تذهب حسرات لفقدهم إياه! ولا تذوب قلوبهم أسى عليه، ولا تعزف أوتار أفئدتهم حنيناً إليه، ولا تسقط أوراق أشجار حياتهم وجعاً فتتوسد الأرض حزناً عليه، ولا تتحول لديهم ألوان الطيف للون واحد شاحب حين تشرق شمس يوم دون تواجده أو سماع صوته أو استرجاع ضحكاته.

هؤلاء كيف يتعلمون ثقافة الاعتذار الراقية؟ وكيف يجيدون ذلك الفن الإنساني البديع؟!!

www.rogaia.net
ص.ب 260564 الرياض 11342




لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6840 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد