Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/11/2008 G Issue 13186
الثلاثاء 06 ذو القعدة 1429   العدد  13186

رحمك الله يا أنس
عبدالرحمن بن صالح المشيقح

 

ترتجف أناملي.. بل كافة أجزاء اليد وأنا أدون هذه الأسطر.. وتحْول زفرات من الدمع أفرزتها العينان واحتلت مساحة المقلتين من رؤية ما أخطه من أسطر..

لكن مسافة مختزنة من الأسى والحزن تملأ قلبي وتغطي كافة أجزائه فتعصره.. وتضغط على المشاعر فتوشك أن تفقدها التوازن.. يجبرني ذلك على تدوين هذه الأسطر علها تفرغ جزءاً من الألم المختزن في الفؤاد.

يتم هذا وأنا أخط عبارات مسترسلة من الفؤاد تجسم حجم الحزن الذي تملكني وأنا أعيش لحظة فراق ابني أنس ابن التسعة عشر عاماً رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجعله في حل مني وأسكنه فسيح جناته وأبدل دنياه بآخرته.

ربطني به علاقة ود وشفقة رغم قسوتي عليه أحيانا. ورسم مكانته في القلب جملة من المكتسبات التي حفرت اسمه في الفؤاد.. اخترت له اسما تفاؤلا بأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عاش عمرا مديدا بعد فراق حبيبه رسول الله. وصار اسمه يخرج بعفوية من فؤادي قبل لساني كلما أردت نداء أحد إخوانه.. اعتمدت عليه في جملة من الأمور ذلك أنه كان شديد التحمل للمهام يقوم ببعض مسؤوليات الأسرة بقناعة وتحمل.. عصامي في رسم طريق حياته التي انقضت.. اختار في تخصصه الدراسي أقوى التخصصات.. يأتي للمنزل من جامعته بعد صلاة العصر ليباشر بعض المهام التي تطلب منه.

كانت أصعب لحظة عشتها بعد فراقه رحمه الله تعالى عندما وقفت على باب غرفته صباح اليوم التالي لوفاته لأوقظه لصلاة الفجر.. كدت أطرق عليه الباب وأنطق باسمه كالمعتاد حتى هزتني رعشة موجعة حجزت لساني وأعادتني للحزن مرة أخرى. عندها علمت بأنه لا وقفة عند الباب بعد هذا اليوم.

رصدت في شخصيته الحيوية والنشاط فعلقت على هذه الرؤية آمالاً وتطلعات. ولمست في طبيعته المواجهة وقوة التحمل فعاملته معاملة الرجال.

كم تمنيت أن أكون شاعرا لأرسم صورة الأسى وحجم الألم الذي يعتصرني لفراقه. فتذكرت رثاء أخي د.سلمان بن فهد العودة لابنه في قصيده منها:

وداعاً حبيبي لا لقاء إلى الحشر

وإن كان في قلبي عليك لظى الجمرِ

صبرت لأني لم أجد لي مخلصاً

إليك وما من حيلة لي سوى الصبر

تحاصرني ذكراك يا ساكن القبرِ

وتجتاح أعماقي وإن كنت في الإصرِ

في وقفة محاكمة بين العقل والعاطفة التي يؤججها القلب المكلوم تنتهي نتائجها براحة ضمير وسعادة داخلية مبعثها بشرى من الخالق جل شأنه وتعالى مقامة. يستحضر فيها القلب جملة من التوجيهات والبشارات التي أعدها المولى تعالى ووعد بها عباده وعد صدق وحق.

إن ما يسلي ويرطب النفس عطف المولى تعالى ورحمته بعباده المؤمنين الصابرين. طمعت بجائزته لعباده الصابرين ورجوت أن أنال شيئاً منها. ينقطع عندها الاتصال بيني وبين كل الأحاسيس التي تثير الجزع واللوم والافتراضات الوهمية.

(من حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.. ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك) يأتي بعدها وعد الله تعالى وجائزته الكبرى لعباده الصابرين المؤمنين بقضائه وقدره. ففي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حسنه الألباني رحمه الله (إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد)، اللهم لك الحمد في السراء والضراء ولك الشكر على آلائك التي لا تحصى فأنت رحيم بعبادك عادل في قضائك وقدرك تأخذ وتجزل في الثمن.

إن مما خفف من عظم المصاب مشاركة قلوب رحيمة قدمت المواساة والمؤازرة. باالصلاة على الفقيد وفي الدفن.. وفي تقديم العزاء من خلال الزيارة والاتصال.. ألسنتهم تلهف بالدعاء وحديثهم يذكر بالبشر ودعواتهم ترطب القلب، فشكر الله سعيهم وغفر ذنبهم ولا أراهم مكروهاً.

غفر الله لك يا أنس وأبدل دنياك بآخرتك وجعلك في حل مني وشفى والدتك وألهمها وإخوانك الصبر وجبر عزاءنا وأذاب مصيبتنا وأبدلنا وعوضنا خيراً.. ولا نقول إلا وما جهنا به ربنا وخالقنا ومالك أمرنا { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

newarabedu.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد