Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/11/2008 G Issue 13188
الخميس 08 ذو القعدة 1429   العدد  13188
باراك أوباما من النشأة إلى البيت الأبيض
سيرة كاملة عن حياة الرئيس الأمريكي الجديد

واشنطن - دومينيك ديباسكال - خاص بـ(الجزيرة):

فتحت سيرة باراك أوباما الفريدة وحملته الناجحة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له لانتخابات الرئاسة لعام 2008 فصلاً جديداً في السياسة الأمريكية.

فباراك أوباما، أول مرشح أمريكي من أصل إفريقي للرئاسة يفوز بترشيح حزب سياسي أمريكي كبير، يأتي بقصة حياة مختلفة عن أي مرشح سابق آخر. وقد حلَّق أوباما، الابن المختلط عرقياً لأب إفريقي من كينيا وأم بيضاء من وسط أمريكا، إلى الشهرة على النطاق القومي بخطابه الهام الذي قوبل بالاستحسان في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في عام 2004، وهو العام الذي تم فيه انتخابه لمجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي. وبعد أربع سنوات فقط، صعد إلى القمة في ميدان مزدحم بالديمقراطيين من الوزن الثقيل واقتنص ترشيح حزبه له لدخول البيت الأبيض.

وبأسلوب خطابي منمق، وبلاغة فصيحة منهضة، وقدرة على إثارة حماسة الناخبين الشباب، واستخدام محنك لشبكة الإنترنت كأداة ترويج في الحملة الانتخابية، أظهر أوباما أنه بالفعل مرشح القرن الحادي والعشرين. ثم إنه أبدى علاوة على ذلك المهارات الدائمة في كل زمان والمألوفة في كل الحملات، بما في ذلك القدرة على شن حرب خندقة سياسية فعّالة من الطراز القديم مسببة للشقاق أحياناً وهو يشق طريقه بجد لمدة خمسة أشهر طويلة في موسم الانتخابات التمهيدية لهزيمة منافسته الرئيسية هيلاري رودهام كلينتون.

شدد أوباما في حملته الانتخابية على موضوعين مهيمنين هما تغيير أسلوب واشنطن التقليدي في إدارة شؤون الدولة، ومناشدة الأمريكيين على اختلاف إيديولوجياتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والعرقية الاتحاد من أجل الصالح العام.

قال أوباما في خطابه للمؤتمر القومي للحزب الديمقراطي لعام 2004 (ليس هناك أمريكا ليبرالية وأمريكا محافظة - هناك الولايات المتحدة الأمريكية. ليس هناك أمريكا سوداء وأمريكا بيضاء وأمريكا لاتينية وأمريكا آسيوية. إنما هناك الولايات المتحدة الأمريكية... نحن شعب واحد، وكلنا نتعهد بالولاء للنجوم والخطوط (العلم الأمريكي)، وندافع جميعاً عن الولايات المتحدة الأمريكية).

السنوات الأولى

تحدّر والدا أوباما من بيئتين مختلفتين اختلافاً كبيراً جداً. فقد ولدت أمه، آن دنهام، ونشأت في مدينة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد أن انتقلت أسرتها إلى جزر هاوائي، قابلت باراك أوباما الأب الذي كان طالباً كينياً في جامعة هاوائي بمنحة دراسية. تزوج الاثنان في عام 1959، وفي 4 آب - أغسطس 1961 ولِد لهما باراك أوباما الابن في هونولولو. وبعد سنتين غادر أوباما الأب أسرته الجديدة، من أجل متابعة الدراسات العليا في هارفرد أولاً، وبعد ذلك من أجل العمل كأخصائي اقتصادي في الحكومة في كينيا. وقابل أوباما الابن والده بعدها مرة واحدة فقط وهو في سن العاشرة.

كان أوباما في السادسة من عمره عندما تزوجت والدته للمرة الثانية، وهذه المرة من موظف تنفيذي إندونيسي يعمل في صناعة النفط. وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا، حيث أمضى أوباما أربع سنوات في الدراسة بمدرسة في العاصمة جاكرتا. وفي نهاية المطاف، عاد إلى هاواي والتحق بمدرسة ثانوية هناك، حيث كان يعيش مع جديه والدي أمه.

في كتابه الأول، أحلام من أبي، يصف أوباما هذه المرحلة في حياته على أنها انطبعت على قدر أكبر من المعتاد من اضطراب فترة المراهقة، حيث كان يكافح لفهم إرثه العرقي المختلط والذي كان لا يزال حينئذ غير مألوف نسبياً في الولايات المتحدة. ولعل جذوره التي كانت مترسخة في الثقافتين السوداء والبيضاء هي التي ساعدت في إكساب أوباما الرؤية الشاملة التي جاء بها إلى السياسة بعد عدة سنوات، رؤية تتفهم وجهتي النظر معاً.

كاساندرا بتس، زميلة أوباما في كلية الحقوق وصفته بأنه (يتمتع بقدرة لا تُصدَّق على دمج حقائق تبدو متناقضة وجعلها مترابطة). وأضافت في تصريح للكاتبة في مجلة نيويوركر، لاريسا ماكفاركوهر بقولها (إن ذلك يتأتي من الخروج من بيت يقوم فيه أشخاص بيض على تنشئته، ألا ينظر إليه الناس فيه على أنه شخص أسود).

غادر أوباما هاواي مرة أخرى للدراسة في جامعة أوكسيدنتال في لوس أنجلوس لمدة سنتين.

وانتقل بعدئذ إلى مدينة نيويورك، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا في عام 1983م.

وفي كلمة له في حفل التخريج، وصف أوباما تفكيره في ذلك الوقت بقوله (... في الوقت الذي حان فيه موعد تخرجي من الجامعة كانت تتملكني فكرة مجنونة - هي أنني سأعمل من الجذور الأساسية للمجتمع لإحداث تغير).

دعوة إلى الخدمة العامة

في غمرة بحثه عن هويته وعن توجّه هادف في الحياة، ترك أوباما في النهاية عمله ككاتب مالي مع شركة استشارية دولية في نيويورك وتوجّه إلى مدينة شيكاغو في عام 1985. وهناك عمل كمنظِم مجتمعي لائتلاف من كنائس محلية في الجزء الجنوبي من المدينة، وهي منطقة للأمريكيين الأفارقة الفقراء كانت تعاني بسبب تحويلها من مركز تصنيع إلى اقتصاد خدماتي.

وبعد سنوات، استحضر أوباما في خطاب أعلن فيه ترشيحه للانتخابات الرئاسية ذكرى ماضيه هناك بقوله (في هذه هي الأحياء تلقيت أفضل تعليم، وفيها عرفت فيها المعنى الحقيقي لديني المسيحي).

وجد أوباما متعة في تحقيق بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل، مانحاً سكان الجزء الجنوبي صوتاً في قضايا مثل إعادة البناء الاقتصادي والتدريب المهني وجهود تنظيف البيئة. من ناحية أخرى، نظر إلى دوره الأولي كمنظِّم مجتمعي على أنه دور محفِّز يحشد مواطنين عاديين في جهد يبدأ من الطبقة الدنيا لصياغة إستراتيجيات محلية أصيلة للتمكين من الحقوق السياسية والاقتصادية.

وبعد ثلاث سنوات من هذا العمل، وصل أوباما إلى قناعة بأنه لتحقيق تحسن حقيقي في مجتمعات مسحوقة من هذا القبيل، فإن الأمر يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في ميداني القانون والسياسة. وبناءً على ذلك، ذهب للدراسة في كلية جامعة هارفرد للحقوق حيث برز وتميز بانتخابه كأول رئيس أسود لمجلة هارفارد لو ريفيو (مجلة مرموقة لنقد القوانين تصدرها لجنة من طلبة الحقوق بالكلية المرموقة) وتخرَّج بدرجة شرف في عام 1991م.

بتلك الدرجات والشهادات الجامعية المعتمدة (كان بإمكان أوباما أن يعمل في أي مجال يريده). بهذه العبار علَّق ديفيد أكسلرود على أوباما وهو الآن الخبير الإستراتيجي لحملته الانتخابية. لكن أوباما عاد إلى المدينة التي تبناها، شيكاغو، حيث مارس المحاماة دفاعاً عن الحقوق المدنية، وقام بتدريس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. وفي عام 1992 تزوج من ميشيل روبنسون، وهي خريجة أخرى في القانون من هارفرد، وعمل بجد في تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة المرشحين الديمقراطيين ومن بينهم بيل كلينتون.

ومع التزام شديد متواصل بالخدمة المدنية، قرر أوباما في عام 1996 أن يعلن أول ترشيح له لمنصب انتخابي وفاز بمقعد عن شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. وكان دخوله السباق الانتخابي، من عدة نواح، استطراداً منطقياً لعمله السابق كمنظِّم مجتمعي. وجاء أوباما بالكثير من النظرة الشمولية للسياسي - كممكّن لتوجيه جهود القاعدة الشعبية للمواطنين، وبان لتحالفات ذات قاعدة عريضة - لرؤياه السياسية.

وقد قال في حينه: (أي أمريكيين إفريقيين يتحدثون عن العنصرية كعائق لنجاحنا يكونون مضلَّلون جداً إذا هم لم يتصدوا للقوى الاقتصادية الأكبر التي تتسبب في خلق عدم استقرار اقتصادي لكل العاملين - من بيض ولاتينيبن (إسبانيين) و(آسيويين).

ومن بين إنجازاته التشريعية على مدى السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية كان إصلاح تمويل الحملات الانتخابية وتخفيضات ضريبية للفقراء العاملين وإدخال تحسينات على نظام القضاء الجنائي للولاية.

المرحلة القومية

في عام 2000 أعلن أوباما أول ترشيح له للكونغرس متحدياً، ولكن بدون تحقيق نجاح، بوبي رَش، الذي كان ديمقراطياً يحتل مقعدا عن شيكاغو، من أجل انتزاع مقعد رش في مجلس النواب.

ومع شعوره بالإحباط بسبب خسارته غير المتوازنة في الانتخابات التمهيدية. وبحثاً عن نفوذ بعيداً عن الهيئة التشريعية لولاية إلينوي، أقنع ميشيل بفكرة ترشيح نفسه لمجلس الشيوخ الأمريكي في آخر محاولة في (إستراتيجية الصعود أو التخلي) للارتقاء بعمله السياسي.

كان سباق الترشيح لمجلس الشيوخ في إلينوي للعام 2004 قد تحوّل إلى سباق عام مفتوح للجميع في السنة السابقة، وذلك عندما أعلن صاحب المقعد الجمهوري، بيتر فيتزجيرالد، أنه لن يسعى إلى إعادة انتخابه.

وتنافس سبعة ديمقراطيين، وثمانية جمهوريين في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما على الترشيح لمجلس الشيوخ.

وفاز أوباما بسهولة بترشيح الحزب الديمقراطي، محرزاً حصة أكبر من حصص خصومه الستة مجتمعة من الأصوات بلغت 53 بالمائة.

ومع هيمنة الجمهوريين آنذاك على مجلس الشيوخ المكوّن من 100 عضو بأغلبية ضئيلة جداً باحتلالهم 51 مقعداً (بأغلبية مقعد واحد) فقد أولى الديمقراطيون المنافسة على الترشيح لمجلس الشيوخ في إلينوي نظرة مهمة باعتباره فرصتهم لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ في تشرين الثاني - نوفمبر (لم يستعيدوا السيطرة في الواقع إلا في عام 2006).

وتجاوباً مع الرغبة في منح حملة أوباما دفعة قوية من خلال إسناد دور بارز له، ونظراً للمهارات الخطابية المشهورة التي كان يمتلكها أوباما والانطباع الإيجابي جداً الذي تركه عند مرشح الرئاسة الديمقراطي جون كيري، حسم جميعها قرار اختيار أوباما ليكون الخطيب الذي يلقي الخطاب الرئيسي للمؤتمر.

عمل خطاب أوباما، بلغته الراقية المنمقة عن الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى (سياسات آملة) بدلاً من السياسات التهكمية أكثر من مجرد إثارة رواد المؤتمر، فقد قذف بأوباما إلى دائرة أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد من الحزب الديمقراطي.

وواصل مسيرته ليفوز ببراعة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف، محققاً نسبة ساحقة من الأصوات الشعبية بلغت 70 بالمائة.

وعلى الرغم من أن شبه الفوضى العارمة التي اجتاحت الجمهوريين في إلينوي في تلك السنة ساهمت، بلا ريب، بهامش الفوز الساحق، فقد كان انتصار أوباما مؤثراً بحد ذاته، حيث فاز في 93 مقاطعة من مقاطعات الولاية الـ 102، وحاز على أصوات ناخبين بيض بهامش أكبر من اثنين إلى واحد. نمت سمعة أوباما بشكل مطرد كنسل جديد من السياسيين، نسل قادر على التغلب على الانقسامات العنصرية التقليدية.

وفي نبذة عن أوباما في مجلة نيويوركر، قال الكاتب ويليام فينيغان، مشيراً إلى موهبة أوباما في (الانسلال ببراعة إلى استخدام تعابير محدّثه) إن أوباما (يتكلم بكل اللهجات الأمريكية الدارجة).

وقدَّم أوباما تفسيره الخاص للسبب الذي جعله قادراً على التواصل مع الناخبين البيض. قال: (أنا أعرف هؤلاء الناس. أولئك هم جدّاي... تصرفاتهم ومشاعرهم وإدراكهم للصواب والخطأ، جميعها أمور مألوفة تماماً بالنسبة لي).

في مجلس الشيوخ، كوّن أوباما سجل تصويت منسجماً مع ذلك السجل الخاص بالجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي. وكان انتقاده للحرب في العراق أحد سماته المميِّزة التي تعود إلى خطاب ألقاه في عام 2002، حتى قبل أن تبدأ الحرب، وذلك عندما حذّر من أن أي عمل عسكري من هذا القبيل لن يكون مبنياً (على أساس مبدأ، وإنما على أساس سياسة). كما عمل لتعزيز المعايير الأخلاقية في الكونغرس ولتحسين رعاية المحاربين القدامى، ولزيادة استخدام أنواع الوقود المتجدد.

الترشيح لمنصب الرئيس

لقد كانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة لانتخابات الحزب الديمقراطي لعام 2008، بما فيها من انتخابات أو اجتماعات حزبية انتخابية في الولايات الخمسين جميعها، تاريخية بعدة طرق. لقد تم اختيار مرشحين أمريكيين من أصل إفريقي، ومرشحات نساء للرئاسة من قبل، ولكن هذه المرة كان كِلا المرشحين المتقدمين هما امرأة وأمريكي من أصل إفريقي.

وعندما بدأ أوباما وسبعة متنافسين آخرين يتنافسون على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، بالانتظام في عام 2007، وضعت استطلاعات الرأي أوباما، بشكل ثابت، في المركز الثاني وراء السناتور من ولاية نيويورك، التي كان يُفترَض أنها المفضلة، هيلاري كلينتون. وعلى الرغم من ذلك كان أوباما ناجحاً إلى حد كبير في هذه المرحلة المبكرة من السباق في حشد مجموعة متحمسة من المؤيدين، ولا سيما بين الشباب، مقيماً تنظيماً لحملة ذات قاعدة شعبية على نطاق الدولة، وجامعاً أموالاً عبر الإنترنت.

ومع كون كلينتون تتمتع باسم معروف أكثر، وبمجموعة منظمين للحملة يعملون بدون عوائق، وبدعم على مستوى الولاية من الديمقراطيين القياديين، فقد ابتكر معسكر أوباما إستراتيجية إبداعية لتحييد هذه المزايا: استهداف الولايات التي تستخدم الاجتماعات الانتخابية الحزبية أكثر من الانتخابات التمهيدية لاختيار المندوبين، والتركيز على ولايات أصغر صوّتت بشكل تقليدي للحزب الجمهوري في الانتخاب العام. هذا النهج المُستفيد من نظام الحزب الديمقراطي للتمثيل التناسبي - منح مندوبي المؤتمر في كل ولاية ما يتناسب تقريباً مع حصة المرشح من الأصوات - خلافاً لنظام الجمهوريين في منح معظم مندوبي المؤتمر، أو جميعهم، للفائز في كل ولاية.

ونجحت الإستراتيجية مع الاجتماعات الانتخابية الحزبية الأولى في الولاية، في ولاية آيوا، في 3 كانون الثاني - يناير 2008، عندما سجل أوباما نصراً غير متوقع على كلينتون.

وكان الفوز في ولاية آيوا مغيّراً للعبة؛ كما عبرت عن ذلك جريدة واشنطن بوست: (هزيمة كلينتون... غيّرت مجرى السباق بإثبات أن أوباما منافسها الرئيس - المرشح الوحيد الذي لديه رسالة، وقوة تنظيمية، وموارد مالية للطعن في وضعها كمرشحة متقدمة).

ونجحت مرة ثانية في انتخابات ما يسمى (الثلاثاء العظيمة) - تم إجراء الانتخابات في 22 ولاية في الوقت ذاته في 5 شباط - فبراير - عندما تنافس أوباما مع كلينتون بنديّة واكتسح ولايات ريفية في الغرب والجنوب. ونجحت مرة أخرى عندما واصل أوباما الفوز في 10 منافسات متتالية في شباط - فبراير، معززاً تقدماً في المندوبين لم تتمكن كلينتون من اللحاق به مرة أخرى أبداً.

أخيراً، في 3 حزيران - يونيو، بعد خمسة أشهر بالضبط من بدء المنافسة، انتهى السباق المرهق. ومنح مزيج من الفوز في مونتانا، مع الدعم المتنامي لأوباما من مندوبين فوق العادة لم يكونوا ملتزمين سابقاً، غالبية المندوبين اللازمين للفوز بالترشيح للانتخابات الرئاسية.

رئاسة أوباما

أوباما، بعد انتخابه أمس أصبح أحد أصغر الرؤساء الأمريكيين في التاريخ. لقد ولد في الجزء الأخير من جيل ما سمي بطفرة المواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة (1946 - 1964)، كما أصبح أول رئيس يبلغ سن الرشد في ثمانينيات القرن العشرين، وهذا وحده يمكن أن يبشّر بتغيير. وقد كان الجو الذي نشأ فيه مختلفاً بشكل ملحوظ عن ستينيات القرن العشرين العاصفة اجتماعياً، والتي شكَّلت مستقبل جيل الزيادة الفجائية في الولادات الأسبق. وكما قال أوباما ذات مرة عن الانتخابات الرئاسية للعامين 2000 و2004، والتي كان فيها التنافس بين مرشحين من فوج يسبق بكثير ذلك الفوج من جيل ما بعد الحرب، (كنت أشعر أحياناً وكأنني كنت أشاهد الدراما النفسية لجيل طفرة الولادات - قصة متجذرة في أحقاد قديمة وخطط انتقام تم تدبيرها في حفنة من ساحات حرم الجامعات منذ فترة طويلة - انتهت على الساحة القومية).

يعكس شعارا أوباما (تغيير يمكننا أن نؤمن به) و(تغيير نريده) تشديد حملته على أخذ الولايات المتحدة نحو اتجاه جديد. وقد دعم أوباما جدولاً زمنياً ثابتاً لانسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق، على الرغم من أنه سيترك بعضها من أجل مهام التدريب ومكافحة الإرهاب. وتشمل مواقف سياسة خارجية أخرى زيادة القوات العسكرية الأمريكية، والمساعدة الإنمائية لأفغانستان، وإغلاق سجن خليج غوانتانامو للمعتقلين المتورطين بأعمال إرهابية، وتعزيز جهود منع إنتاج ونشر الأسلحة النووية.

محلياً، يريد أوباما استثمار 150 بليون دولار أمريكي على مدى 10 سنوات لتحفيز تطوير تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وزيادة الاستثمار في التعليم والبنية التحتية لجعل اقتصاد الولايات المتحدة أكثر تنافسية عالمياً، ولاستعادة الانضباط المالي لإنفاق الحكومة.

قدمت لاريسا ماكفاركهار من مجلة نيويوركر نظرية عن جاذبية أوباما الملحوظة عبر خطوط سياسية تقليدية. وعلّقت قائلة: (إن سجل أوباما الانتخابي هو من أكثر السجلات ليبرالية في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً جذاباً للجمهوريين، ربما لأنه يتحدث عن أهداف ليبرالية بلغة محافظة).

أوباما بكلماته الخاصة

يتحدث باراك أوباما، في هذا المقتطف من أحد خطاباته، عن فترة في حياته عندما (بدأ يلاحظ عالماً أبعد من ذاتي)، وعن رغبته في أن يكون عامل تغيير. وقد أدلى بهذه الملاحظات في كلمة حفل التخريج في جامعة ويسليان، ميدلتاون، بولاية كناتيكيت، 25 أيار- مايو 2008 أصبحت ناشطاً في الحركة المعارضة لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. وبدأت متابعة المناظرات التي تناقش الفقر والرعاية الصحية في هذا البلد. وهكذا وجدتني لدى تخرجي من الجامعة وقد تملكتني فكرة مجنونة، هي العمل على المستوى الشعبي لتحقيق التغيير. فكتبت رسائل إلى كل مؤسسة في البلد خطرت على بالي.

وفي أحد الأيام، عرضت علي مجموعة صغيرة من الكنائس في منطقة (الجزء الجنوبي) من شيكاغو، وظيفة تنظيم الأهالي في الأحياء التي كاد يقضي عليها إغلاق مصانع الصلب. وكانت والدتي وجداي يريدون أن أذهب إلى كلية الحقوق. وكان أصدقائي يقدمون طلبات للعمل في وول ستريت. في ذلك الوقت، عرضت علي هذه المنظمة مرتباً هو إلى ألفي دولار بدل سيارة قديمة في آخر عمرها فوافقت وقبلت العرض. لم أكن أعرف أي شخص في شيكاغو، ولم أكن أدرك حقاً المقصود بالعمل كمنظم للأهالي. ولكنني كنت كثير التأثر بقصص حركة الحقوق المدنية ودعوة جون إف. كندي الأمريكيين للخدمة. إلا أنه لم تكن هناك لدى وصولي إلى منطقة (الجزء الجنوبي) في شيكاغو لا مسيرات ولا خطب مثيرة. وكل ما كان هناك في ظل مصنع صلب خاوٍ، كان الكثير من الناس الذين يكافحون لتأمين لقمة العيش. ولم نحقق الكثير في البداية.

لا أزال أتذكر أحد الاجتماعات التي نظمناها في أوائل عهدنا لمناقشة عنف العصابات مع مجموعة من الفعاليات المحلية. انتظرنا وانتظرنا وصول الناس، وفي النهاية، دخلت مجموعة من الأشخاص الكبار في السن إلى القاعة. وجلسوا. ثم رفعت سيدة عجوز ضئيلة الحجم يدها وسألت: (هل هذا هو المكان الذي ستجرى فيه لعبة البينغو؟) لم يكن الأمر سهلاً، ولكننا حققنا تقدماً في نهاية المطاف.

بدأنا نجمع أبناء المجتمع معاً يوماً بعد يوم، ومبنى بعد مبنى، وقمنا بتسجيل ناخبين جدد، وأنشأنا برامج لما بعد انتهاء الصفوف الدراسية في المدرسة، وحاربنا في سبيل وظائف جديدة، وساعدنا الناس على العيش حياة تتصف بقدر من الكرامة.ولكنني بدأت أدرك كذلك أنني لم أكن أساعد الناس الآخرين فحسب، فقد وجدت من خلال الخدمة مجتمعاً احتضنني؛ ومواطنيه كانت ذات مغزى، والاتجاه الذي كنت أبحث عنه. ومن خلال الخدمة، اكتشفت كيف تنسجم قصتي التي لا يرجح حدوثها، مع قصة أمريكا الأكبر.

* الكاتب المستقل دومينيك ديباسكال موظف سابق في السلك الدبلوماسي، عمل في غانا وكينيا والبرازيل والبوسنة وسنغافورة وسلوفينيا.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد