Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/11/2008 G Issue 13188
الخميس 08 ذو القعدة 1429   العدد  13188
هذرلوجيا
بانتظار التي تأتي
سليمان الفليح

كن جالساً في حوش البيت أتأمل بشائر المطر كطائر يحدق في السماء بانتظار المزنة القادمة، وكان يجالسني ولدي الشاعر الشاب (بسام الفليح) وكان يُسمعني بعض قصائد الغزل التي يطربني بعضها و(أضرب عن بعضها الصفح ذكراً فأذهل) وكانت أنظاري مشدودة إلى الأفق الذي أخذ يدلهم شيئاً فشيئاً، وكان ولدي ينبهني -كلما انتبه- بقوله: (سرحت وين يا حاج)؟! لاعتقاده أن قصائده كانت تذكرني بأيام الشعر والصبا والأيام الخضراء، وكان جوابي الوحيد عليه، استمر، أحسنت، إلى أن تحولت بنظره إلى تمثال لا يتحرك ولا ترمش له عين، وهنا قال لي (بعفوية خبيثة)!! لاشك أنك تذكرت أيامك الأولى مع أمي وقصة غرامكما التي سارت بذكرها الركبان، وتناقلها الحضر والبدوان فقلت له دعني (أي أمك؟!) انني أنتظر التي ستأتي(!!) ولا شك أنها أخذت تدنو شيئاً فشيئاً، فقال لي (انت مواعد يا شايب؟!) فقلت له: صَهْ. لقد اقتربت وعلي استقبالها بما يليق بها. فنهضت كالملسوع واتجهت إلى المرآة وتناولت عدة الحلاقة والعطر و(الذي منه) من وسائل التجميل، ف(ظن) الشاب -وإن لم يقل - بأنني اختبلت وخلعت عباءة الوقار إذ لا يمكن لأبٍ عاقل أن (يتصابى!!) أمام ولده المراهق هكذا.

ولكي أقطع عليه حبل الظن الأسود قلت له استمر شعراً أيها الولد الرائع، فأخذ يلقي قصائد بصوتٍ حالم مرتفع الوتيرة قليلاً ليتناغم مع ايقاع موس الحلاقة الذي كنت أمرره على ذقني وهنا صرخت متسائلا - بغتة - (هل وصلت التي سوف تأتي؟!) فأخذ الولد يلتفت في أنحاء (الحوش) وينظر للجدران الصماء ثم وجّه أنظاره للباب وقفز ليفتحه بهّمة الشباب وسرعته. فقلت له (على هونك يا ولد) إنها ليس من النوع الذي يأتي من الأبواب!! فأخذ ينظر للنوافذ فقلت له مردفاً ولا كذلك من النوافذ أيضاً.

***

استعجلت بالانتهاء من مهمة الحلاقة والتأنق الشديد ووزعت قطرات العطر على أنحاء متفرقة من جسدي (كما تفعل هي) دوماً، وارتديت أجمل الثياب واعتمرت (شماغي) الفاخر و(أملت) العقال قليلاً كما يفعل قومي أهل الشمال. وحينما اكتملت (الكشخة) صرخت بالولد: لقد وصلت فألحقني بالفروة.. الفروة يا ولد قبل أن (تغمرني) الزائرة ب(المطر!!) ولكنها قبل أن تغمرني أجهشت بالبكاء، بينما رحت أنا أرقص لمقدمها كما ترقص قبائل الأدغال فوق النار وأغني لها بأعلى الصوت:

(حينما تقطن القلب الكآبة

وتجيئين إليّ كالسحابة

يصبحُ العالم الشاسع

في عيني

ذُبابة!!).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7555 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد