Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/11/2008 G Issue 13188
الخميس 08 ذو القعدة 1429   العدد  13188
الدكتور محمد مناور أبا الخيل
فوزية بنت عبدالعزيز القاضي

من منّا لا يعرفه؟ من منّا لم يسمع عنه وعن شمائله ومكارم أخلاقه؟

من منّا لا يقصده بعد الله عندما يحس بأي عارض صحي؟ من منّا لا يعرف عيادته؟

هذا ما يتردد على ألسنة الكبار من الجنسين.

أتوقع الآن أن عيادته في شارع الخزان تئن لفقده وكأني بأفواج المراجعين قد توقفت فزاد ذلك العيادة همّاً على همّها.

إنه الدكتور محمد مناور أبا الخيل (أبو طارق) صاحب القلب الكبير وقد أنهك هذا القلب إخلاصه في عمله وتفانيه في خدمة محبيه من المترددين على عيادته وحرصه على القيام بواجبات مهنته ذلك وإن شاركه أطباء غيره في استقبال المرضى الكثر إلا أن المرضى يعودون أدراجهم إذا لم يجدوه بعينه وهو لا يتغيب إلا حين يكون ملازماً للسرير الأبيض أو في سفر وإن كان الازدحام على عيادته، فلديهم الاستعداد للانتظار إن كان في زيارة مريض في بيته أو حتى يأتي دورهم ويتولى بنفسه الكشف عليهم فيطل بابتسامته المشرقة لاستقبالهم ويتولى بنفسه توديعهم ويرفض بشدة أخذ أجرة الكشف على قريب محب أو صديق وفي أو مريض محتاج تربطه بالناس أواصر ودٍ امتدت لدى بعض الأسر أكثر من أربعين عاماً هي مدة عمله في هذه العيادة.

وبعد أن ذاعت شهرته، تسابقت شركات الأدوية على تزويده بعينات مجانية من منتجاتها، فكان يعمد لإعطائها مرضاه المحتاجين حسب حالتهم الصحية بكل أمانة ليخفف عنهم تكاليف العلاج، كما أسقط عنهم أجرة الكشف. عرفناه صغاراً وأحببناه كباراً وزدنا له تقديراً وإجلالاً لشهامته ومروءته التي تربى عليها في أسرته وعشيرته التي قطنت بادية الأردن بعد مغادرة ربوع القصيم الحالمة.

وازدت قرباً من محيطه عندما كان زوجي عبدالرحمن ابا الخيل رحمه الله واخوته يسكنون في الشقة المقابلة لعيادته وازدادت الروابط بيني وبين زوجته بعد ذلك لتستمر حتى الآن لأكثر من ثلاثة عقود قامت على الود والتقدير والإخلاص.. حتى وبعد انتشار المستشفيات والعيادات التخصصية استمر مراجعو عيادته على زيارته. وقد يمتد ذلك لأجيال فنجدهم يحضرون أحفادهم بعد أن أحضروا له بالأمس أبناءهم وعند اقتناع البعض بضرورة مراجعة طبيب مختص أو استشاري مشهور كان الكبار يرفضون ذلك ويصرون على التداوي لدى طبيب الأسرة (محمد مناور أبا الخيل) وحجتهم أن (يده مبروكة) كما يقولون ويضربون لك الأمثلة بأنهم حاولوا عدة مرات ويكتب الله الشفاء على يديه ويصرون على أنهم لن يذهبوا لمراكز طبية متخصصة إلا بعد مرورهم عليه وتوصيته لهم بذلك.

كان هاتفه مفتوحاً كما كان باب عيادته وكما كان قلبه يستقبل المكالمات ويزود مرضاه بالاستشارات ويتابع أحوالهم لخدمات ما بعد العلاج.

كان يزور كبار السن في منازلهم لا يكلفهم عناء الوصول إليه ويعتب على أبنائهم عندما يحضرونهم له في عيادته.

من يعرف الدكتور لن ينساه ومن عمل معه لن يتركه إلا بظرف خارج عن إرادته ولا عجب فهذا أبو خالد المغربي في العيادة وزوجته مديرة المنزل قد جاوزوا العقدين من الزمن حتى أصبحوا جزءاً من أسرته ويسكنون معه في منزله ويزوره أبناء الطبيب في بلده وحدث ولا خرج عن الخدم والسائقين والممرضات وقد رأيت مبلغ تأثرهم لفقده، كان الطب لديه خدمة إنسانية قبل أن تكون تجارة رابحة ومن عزف عن الدنيا ولم يلهث وراء مادياتها تأتيه الدنيا راغمة.

زارته سيدة أعرفها وبعد إجراء الكشف تبين أنها تعاني من ارتفاع الضغط وبعد أن تبسط معها في الحديث تبين له أن سبب ذلك خروج ابنها وأسرته من بيت العائلة فهدأ روعها ودعا لها ولابنها وأقنعها بأن الله يبارك في بيت تفرعت عنه بيوت.

أتوجه لأبنائه البررة إن شاء الله ولا عجب فهم من أسرة عريقة عرفت بالنبل والطيبة والشهامة بأن تظل عيادته مشرعة الأبواب أمام محبي والدهم وليكونوا خير خلف لخير سلف وأن يخصصوا جزءا منها كصدقة جارية له وأن يسيروا على خطاه ويستنوا بمنهجه وخصوصاً أنهم سائرون على دربه في امتهان الطب والصيدلة.. فمنهم من أنهى تخصصه ومنهم من هو في مراحله النهائية.

وأتوجه لزوجته المخلصة الوفية ولابنته الصابرة بأن تصبرا وتحتسبا، فزوجته الدكتورة أيضاً عرفت بلين الجانب وطيب المعشر، يشهد لنا بذلك كل من تعامل معها في الوحدة الصحية وقد بادلته حباً بحب ووفاء بوفاء أوصيها بأن تحمل رايته مع أبنائها من بعده.

وأوصي محبيه الذين توافدوا للعزاء بالدعاء له بالمغفرة والثبات وجزيل الأجر، فقد كان لكبيرهم ابناً ولندهم أخاً وللصغير أباً.

ولا يسعني في الختام إلا أن أرفع وأبنائي أكف الضراعة لله أن ينزله منازل الأبرار وأن يجعل ما قدم في موازين حسناته وأن يلهمنا وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان، ولا نقول إلا ما قاله الصابرون.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ}.

والدة رياض عبدالرحمن أبا الخيل



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد