Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/11/2008 G Issue 13191
الأحد 11 ذو القعدة 1429   العدد  13191
شيء من
نحن وآراء الأقدمين
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

ابن خلدون يعتبر في رأيي المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، ونظرياته تعتبر بمثابة البذرات الأولى التي أسست لهذا العلم، وجعلته مع الزمن يأخذ شكله الذي يتميز به كعلم له أطره وقوانينه ونظرياته؛ وهناك من يعتبر الفرنسي (أوغست كونت) هو مؤسس هذا العلم، ويعود إليه الفضل في تسمية هذا العلم ب(علم الاجتماع)؛ وبعيدا عن الجدل حول المؤسس، فإن هذا العلم كان في الواقع نتيجة تراكمية للمعرفة الإنسانية والفلسفية وتاريخ الإنسان، ولعل (مقدمة ابن خلدون) أحد أهم هذه التراكمات، التي أدت في النهاية إلى ظهور (علم الاجتماع) كعلم مستقل.

غير أن قيمة ابن خلدون لا تعدو أن تكون قيمة تاريخية؛ بمعنى أن أكثر آرائه هي اليوم مجرد (تاريخ) لا أكثر؛ ورغم ذلك نجد أن هناك من مازال يصر على الاستدلال بآراء ابن خلدون، وكأنه من علماء هذا العصر الاجتماعيين، رغم أن الكثير من نظرياته تجاوزها العصر؛ إضافة إلى أن ابن خلدون كان يتحدث وينظر من خلال عصره، والذي كان له سمات وقوانين تختلف عن العصور اللاحقة.

وليس الأمر متوقفا عند ابن خلدون، فتقديس الماضي، والاحتفاء به، مرتبط ارتباطا كاملا بالرقاب (الملتفة) إلى الوراء؛ فكلما أوغل صاحب الرأي في القدم كان رأيه ذا قيمة أكبر، والعكس صحيح. السبب في تقديري يعود إلى النظرة (الواهمة)، والمتشائمة، التي مفادها أن الماضي دائما أفضل من الحاضر، والحاضر هو بالضرورة أفضل من المستقبل، وهكذا دواليك. لذلك، وحسب هذه النظرة سيكون ابن خلدون كعالم اجتماع لا يضاهيه في علمه أي عالم معاصر. وكذلك الأمر بالنسبة لابن تيمية مقارنة مع علماء العصر.

أما في الغرب - والذي أنا بالمناسبة منبهر به - فهم يفرقون بين النظرية القديمة، وبين الرأي الحديث، فيقدمون النظرية الحديثة على النظرية القديمة، أو التي - كما يقولون - تجاوزها العالم. وهنا الفرق بيننا وبينهم؛ وغني عن القول إن الجديد أكثر التصاقا بالواقع من القديم.

وللتدليل على احتفائنا بالقديم، وتهميشنا للحديث، وأثر ذلك في تشكيل قناعاتنا، هب أنني طرحت قضية معينة، أو اختيارا فقهيا معينا، ثم قلت: هذا هو اختيار الإمام ابن تيمية - رحمه الله - مثلا. ثم طرحت رأيا مضادا وقلت: إنه اختيار الشيخ القرضاوي، أو الشيخ الفوزان، على اعتبار أنهما من كبار الفقهاء المعاصرين، فإن المتلقي - كما تعوّد أو كما عُود - سيعتبر الرأي (القديم)، رأي ابن تيمية، من حيث حجية الاستدلال، أقوى من الرأي المعاصر؛ أي أن (المعاصرة) لا قيمة لها في ترجيح الآراء، رغم أن ما هو متاح للفقيه الجديد لم يكن بالضرورة متاحا للفقيه القديم؛ هذا فضلا عن أن (الحكم على الشيء جزء من تصوره) كما يقول فقهاء الأصول، فهل يعقل أن يستطيع الميت الحكم على أمر لا يمكن له أن يتصوره؟

لذلك فإنني أرى أن من أهم أسس إصلاح (ذهنيتنا) أن نعيد ترتيب الأولويات، وأن نعيد الاعتبار للجديد الذي لا بد وأنه استوعب القديم، وبالتالي له الأولوية. أما التقوقع في القديم فلن يخرج لنا إلا الأزمات والاحتقانات الفكرية؛ ولعل حضور الرأي (القديم) بهذا الشكل الطاغي في الخطاب السلفي هو سبب أزمتنا الثقافية المعاصرة. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد