Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/11/2008 G Issue 13191
الأحد 11 ذو القعدة 1429   العدد  13191
موت الأمهات في أفغانستان
كارول مان

اليوم في بدخشان بأفغانستان يموت في مقابل كل مائة ألف ولادة حوالي 6500 أم شابة. وهذا رقم عالمي غير مسبوق، ولا منافس له في أي مكان آخر من العالم. وفي أجزاء أخرى من أفغانستان أيضاً ما تزال معدلات الوفيات بين الأمهات بين أعلى المعدلات في العالم.

كما ترجع أسباب وفاة نحو 75% من الأطفال حديثي الولادة في أفغانستان إلى نقص المواد الغذائية، والتدفئة، والرعاية. والفتيات الصغيرات غير المرغوبات هن الأسوأ حالاً بين الأطفال هناك. وفي أفغانستان على وجه الإجمال، تموت امرأة لأسباب تتعلق بالحمل كل 27 دقيقة، بل ربما يكون المعدل أعلى، لأن العديد من هذه الوفيات يمر دون تسجيل، فأغلبها يحدث لأمهات دون سن الستة عشر عاماً.

إن حركة طالبان - المسؤولة في الوقت الحاضر عن كل الشرور في أفغانستان - من المفترض رسمياً أنها زالت من الوجود منذ ما يقرب من السبع سنوات، كيف إذاً ما زالت الظروف مروعة إلى هذا الحد؟

في كابول وهيرات تتوفر الهواتف المحمولة بكثرة، ويباع ابتكار لمعالجة تآكل الأسنان تحت اسم (أفغان كولا)، وتعمل شبكة الإنترنت (أحيانا)، وهناك أجهزة الصراف الآلي، ومعامل الهيروين المتطورة، والسيارات رباعية الدفع، وفنادق الخمسة نجوم، وإعلانات عن بنوك خاصة كل زخارف الحداثة المعولمة. ورغم كل ذلك يموت النساء كالذباب، في برك من الدماء واللامبالاة المتأصلة.

ورغم أن مليارات الدولارات التي تدفقت على البلاد في هيئة مساعدات أدت إلى تحسن ملموس في المناطق الحضرية، حيث أنشأت الحكومة المرافق الصحية ودربت القابلات، إلا أن إجمالي عدد الوفيات بين الأمهات لم يطرأ عليه تغير يذكر. وكما أخبرني أحد الأطباء فإن القابلات أو الممرضات الماهرات يفضلن البقاء بلا عمل في كابول على الذهاب للعمل في قرية نائية. ولكن أغلب الأفغان يعيشون في القرى النائية - بعض القرى في بدخشان يتعذر الوصول إليها إلا بالسفر ليوم كامل عبر طرقات وعرة على ظهر حمار.

يعزو بعض المحللين هذا الوضع البائس إلى أسباب مختلفة، وبخاصة الافتقار إلى البنية الأساسية والظروف الاقتصادية المحلية. بيد أننا لا بد أن ننتبه أيضاً إلى القضايا الثقافية، وذلك لأن التمييز بين الجنسين هو السبب الأهم وراء ارتفاع معدلات وفيات الأمهات.

في المجتمع الأفغاني يبدأ التمييز عند الولادة. وأحد الأسباب الواضحة هو أن الصبي مُقَدَّر عليه أن يساند والديه إلى جانب قسم كبير من أسرته طيلة حياته، وعلى هذا فهو يشكل استثماراً طويل الأجل، في حين أن الفتاة سوف تُسَلَّم إلى أسرة زوجها في أقرب وقت ممكن. لذا فإن إطعام فتاة في الأسرة يبدو من الناحية العملية وكأنه رعاية لملكية شخص آخر.

ذات يوم، سمعت قصة مروعة عن حالة وضع لم يكن فيها رأس الجنين متجهاً إلى الأسفل، وبطبيعة الحال لم تَدرِ القابلة التقليدية كيف تتعامل مع الأمر. وفي النهاية اضطرت إلى سحب الجنين بالقوة، فانفصل رأسه الذي ظل داخل رحم الأم. واستغرق الأمر ستة أيام لنقل المرأة إلى مستشفى في جلال أباد، رغم أن محل إقامتها لم يكن بعيداً إلى هذا الحد عن المستشفى. ولقد نجت الأم على نحو ما، لكنها عانت من تعقيدات صحية كبرى، منها الناسور الدائم، الأمر الذي يُعَد بمثابة حكم عليها بالاستبعاد من عائلتها طيلة حياتها ومعاناة البؤس حتى الموت.

نستطيع أن نقرأ هذه المأساة على أكثر من مستوى، وكل قراءة لها تدمي القلب أكثر من غيرها. ولكن الملحوظ في هذا الأمر أن هذه المأساة وقعت بالقرب من منشأة صحية. ولا بد أن القابلة أدركت بمجرد أن رأت الطفل خارجاً بقدميه، أنها لن تستطيع القيام بأي شيء لإنقاذ الأم أو الطفل. بل لا بد أنها لاحظت قبل ذلك أن الجنين لم يتخذ الوضع السليم للولادة، وأن المشاكل المعقدة سوف تترتب على ذلك.

وهذا يعني أن شخصاً ما - الزوج أو الحماة - قد اتخذ قراراً بعدم إرسال المرأة الشابة إلى المستشفى، فأبقاها في عذاب مقيم لمدة تقرب من الأسبوع.

والحل هنا لا يكمن في بناء المزيد من المستشفيات فحسب، بل إن الأمر يتطلب في الأساس التخلي عن هذا الازدراء المتأصل للمرأة. من المؤسف أن الأمور أصبحت أكثر سوءاً أثناء السنوات الثلاثين الماضية، حيث اجتمعت الهيئة الخاصة في أفغانستان مع ميراثها القديم من الحرب والفقر المدقع، لتنتج في النهاية نوعاً من كراهية النساء ترجع أصوله إلى تقاليد ما قبل الإسلام.

إن ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات يشكل واحدة من العواقب المشؤومة الناتجة عن هذا الموقف المعقد. والحقيقة أن تغيير هذا الوضع أمر ممكن من خلال الاستعانة بالنظام القانوني، والمدارس، ووسائل الإعلام، بيد أن كل الجهات الرسمية هناك لم تأخذ المشكلة على محمل الجد إلى الحد الذي يجعلها تبادر إلى اتخاذ إجراءات فعّالة. والسبب الأساسي وراء هذا في غاية البساطة: وهو أن حياة المرأة ليست موضع تقدير، وحتى النساء أنفسهن ينظرن إلى معاناتهن باعتبارها أمراً لا مفر منه.

يتعين على السلطات في أفغانستان أن تجري تحقيقاً بعد كل وفاة من هذا النوع، ولا بد من تجريم مثل هذه الأفعال، كمنع النساء والأطفال من الحصول على المعونة الطبية عند توفرها (أو على الأصح، منع فتيات ما زلن في سن الطفولة، وأطفالهن، من الحصول على المعونة الطبية، وذلك لأن الفتيات هناك يتزوجن عادة حين يبلغن أربعة عشر عاماً من العمر). وأخشى أن السجون سوف تمتلئ بالأزواج المسيئين، ويؤسفني أن أقول، والحموات الحاقدات. إن التثقيف الصحي من خلال وسائل الإعلام العامة، والوصول إلى المناطق النائية من البلاد، يشكل أولوية ملحة، إلا أن هذه الأولوية كانت موضعاً للتجاهل التام لصالح أولويات تجارية.

إن التشكيك في الثقافات لا يشكل بطبيعة الحال نهجاً سياسياً سليماً. ولكن يتعين علينا ألا نقبل الركوع أمام مذبح التسامح حين يتعلق الأمر حقاً بأمر غير مقبول إلى هذا الحد، أينما حدث، وهذا هو ما يشهده العالم في أفغانستان الآن دون أن يحرك ساكناً.

هل تبيح التعددية الثقافية التسبب في مثل هذه الوفيات البشعة والعنف الأحمق ضد النساء لمجرد أن بعض الممارسات التقليدية المزعومة تسمح لهن بالزواج قبل أن تستكمل أجسادهن النمو، بل وحرمانهن من الرعاية الصحية حين يضعن؟

إن الكفاح ضد ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات في أفغانستان لابد وأن يتحول إلى أولوية عالمية. إذ إن المجتمع الذي يبيح مثل هذه المعاملة الوحشية للنساء سوف يظل أرضاً خصبة للعنف الغوغائي.

***

كارول مان مديرة مؤسسة FemAid ومدرسة بجامعة السوربون في باريس. - حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.

www.project-syndicate.org
خاص بـ(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد