كتب سعادة الفريق سعد التويجري مدير عام الدفاع المدني مقالا مطولا معززا بالأرقام والشهادات العلمية والنصائح الثقافية والفلسفات الإعلامية. مقتطفات عظيمة من كتيبات قسم العلاقات العامة.

فات مدير العلاقات العامة أن يذكر سعادته بعدد السيارات وأطوال خراطيم المياه وسعة التوانكي المحمولة وعدد مفكات ابو جلمبو المتوفرة عند الدفاع المدني. كل هذه الضوضاء اللفظية للرد على مقال صغير يتحدث عن عقلية مدراء العالم الثالث. من قراءة التوتر الذي يطبع المقال أستطيع أن أقول إن سعادته فهم مقالي بشكل خاطئ. لم أتحدث عن الدفاع المدني وإنما أخذت تصريحات سعادته كنموذج سريع طرأ على المشهد. في الوقت الذي كنت أكتب فيه عن العالم الثالث جاء تصريح سعادته عن حريق مكة كشاهد حي على الطريقة التي يتعامل بها مدراء العالم الثالث مع الأحداث, قال سعادته في تصريحه لتبرير إخفاق رجاله في التعامل مع حريق مكة إن التأخر في مباشرة الحدث جاء بسبب تأخر الإبلاغ. والإبلاغ في حد ذاته من إجراءات العالم الثالث. انتظار فاعل خير يدور الأجر. أشرت في مقالي (كمقارنة) أن فاعل الخير في الدول المتقدمة مجرد جهاز يبلغ أوتوماتيكيا ولا يكسب أجراً. الذي يكسب الأجر في الدول المتقدمة هو مدير عام الدفاع المدني الذي يسعى بجهود إدارية خلاقة لكي يوظف قدراته فيما يخدم إدارته.

وظيفة القيادي في الدول المتقدمة هي الإبداع في تطوير العمل أما وظيفة القيادي في الدول النامية هي الإبداع في تبرير الإخفاق. مقالة سعادته الغاضبة هذه دليل آخر على الإبداع في التبرير معززة هذه المرة بشعار مدراء العالم الثالث الأثير الذي يقول:(امدحوني وإلا بزعل). الساعات التي صرفها سعادته في إبداع هذا المقال الإعجازي كان يمكن أن يصرفها في متابعة المآسي التي أحدثتها السيول. ثم ما قيمة هذه الشهادات العليا التي تفاخر بوجودها بين أفراده إذا كانت الفرقة (اللي عليها الكلام) تصل بعد أن تحل الفجيعة. ما الذي يهم المواطن من عضوية جهاز الدفاع المدني في منظمات عالمية إذا كان جندي الدفاع المدني لا يجيد حتى السباحة. بنصف قيمة الانتدابات لحضور هذه الاجتماعات أو قيمة تجميع هذه الشهادات يستطيع المدير الخلاق أن يركب أجهزة إنذار في مباني التجمعات أو أن يقوم بتدريب الأفراد أو بتوعية المواطنين.

مثل ما تقوم وزارة الصحة كل عام بالتطعيم في طلبة المدارس هل يقوم الدفاع المدني بجولة سنوية على المدارس والكليات يتفحص مخارج النجاة فيها واللوحات الإرشادية وأجهزة السلامة ويدرب المدرسين والطلاب على التصرف السليم عند حدوث الملمات؟ وهل فرض الدفاع المدني أجهزة إنذار مبكر متصلة مباشرة بالدفاع المدني؟ هل سبق للدفاع المدني أن قام بتجارب إخلاء طوارئ في إدارات مثل الجوازات والأحوال المدنية والمرور والإمارة وغيرها من الأجهزة المكتظة بالموظفين والمراجعين.

أحب أن أذكر سعادته بتجربة وزارته في مكافحة الإرهاب. عندما حصلت بعض الأخطاء في البداية لم يسع القائمون على مكافحة الإرهاب إلى تبرير الأخطاء وتدبيج المقالات الطنانة بل عملوا على تطوير قدراتهم وتحملوا مسؤولياتهم بصمت حتى حققوا في وقت قياسي نصرا تاريخيا لم تصل إليه أكثر الدول تقدما. أتمنى من سعادة مدير عام الدفاع المدني أن ينقل جزءاً من قدراته الإبداعية في تبرير الإخفاقات إلى الإبداع في العمل.