Al Jazirah NewsPaper Monday  10/11/2008 G Issue 13192
الأثنين 12 ذو القعدة 1429   العدد  13192
قراءة في كتاب تلمود العم سام 3-3
د. عبد الله الصالح العثيمين

عنوان الفصل الخامس - وهو الفصل الأخير - من القسم الثاني من الكتاب المتحدث عنه: (بحثاً عن أم). وقد استهله الأستاذ العكش باقتباس من مجلة

U.S News AND World Report عام 1990م يقول:

(إن النزاع المخيم في الخليج.. بكل بساطة ليس مجرد معركة من أجل الكويت أو لبسط السيطرة على نفط الشرق الأوسط. إنه الفصل الأخير في حرب قديمة تدور رحاها منذ أربعة عشر قرناً بين الشرق والغرب.. بين الإسلام ومنافسيه التوحيديين: المسيحية واليهودية).

ومما ركز عليه المؤلف في هذا الفصل إيضاح بحث الصهاينة عن دولة قوية تكون بمثابة (الدولة الأم) للمشروع الصهيوني. وفي هذا المجال ذكر أن هرتزل كان يرى أن بريطانيا - قبل أن تبزها أمريكا - هي المؤهلة لذلك، وأنها القادرة على تقديم فلسطين وليمة لليهود. ولقد ثبت أن الدولة البريطانية كانت فعلاً جديرة بالقيام بما رأى هرتزل أنها مؤهلة للقيام به. ودورها في جعل فلسطين مسرحاً لتنفيذ المشروع الصهيوني حتى أصبح الصهاينة قادرين على إقامة كيانهم على تراب تلك البلاد المباركة، دور يعرفه الكثيرون.ومما ذكره الأستاذ العكش في هذا الفصل إيمان هرتزل بضرورة اللجوء إلى الخداع والغدر للتخلص من السكان الأصليين في الأرض التي ستقام عليها الدولة الصهيونية حيث قال في كتابه اليوميات: (إذا اضطررنا إلى تطهير بلد من الحيوانات المتوحشة فإن علينا أن ننظم حفلة صيد هائلة مفعمة بالحياة تسوق هذه الحيوانات جميعاً إلى الخيار الوحيد، وتحصرها، ثم نرمي في وسطها قنبلة مميتة). ولقد بلور تلك الفكرة، وقاد تنفيذها عملياً، جابوتنسكي، الإرهابي الصهيوني المشهور. وكان من ثمارها فكرياً أن يهودا باور، أحد مؤرخي الصهاينة قال: (إن التطهير العرقي يقتضي بالضرورة حفلات قتل جماعية).ولما سأله أحد الطلبة: هل أفهم من ذلك أن إسرائيل قد تلجأ إلى إبادة الشعب الفلسطيني؟ أجابه قائلاً: نعم.وكما سبق أن ذكر هناك ملحقان لكتاب الأستاذ العكش تلمود العم سام؛ عنوان أولهما: (الجلاد المقدس)، وعنوان ثانيهما: (حوار الحضارات وحرب استئصال الأصالة). وقد استهل الملحق الأول باقتباس ورد فيه: (إن أمريكا لم تتخلَ عن ثوراتها الاستعمارية لحظة واحدة.. وإن من ثوابتها العميقة تجميع يهود العالم في فلسطين استعداداً لنهاية التاريخ، وإن سيطرة الشعب الأمريكي المختار على العالم هي إرادة الله).

ومما ورد في الملحق ذكر تزوير تاريخ الهنود الحمر وثقافتهم، وأن الأستاذ العكش رأى في خطبة أحد زعمائهم وجهاً عربياً عميلاً، فترجمها، وقدم بها لعدد مجلته (جسور)، الذي ضم قصيدة لمحمود درويش بعنوان (خطبة الهندي الأحمر)، ولم يعلم بتزوير تلك الخطبة إلى أن أخبره أحد الهنود بذلك قائلاً:

(إنك خُدعت كما خدع شاعري المفضل محمود درويش، لقد مُحيت رواية الهنود لتاريخهم.. إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزوم.. يا الله ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض. هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون.. قل لدرويش: إن جلادنا المقدس واحد، وإنه يواصل حرب الإبادة، من قبره للنهاية. لهذا وجدت نفسي في قصيدته أكثر مما وجدتها في خطبة الزعيم الهندي. ترجم ما استطعت من شعر درويش إلى الإنجليزية، وانظر كيف يصبح واحداً من أعظم زعمائنا الهنود). ثم أشار الأستاذ العكش إلى أن الأنجلو - ساكسون الذين استعمروا أمريكا كانوا يرون تطابقاً بين قصة خروج العبرانيين من مصر لاستعمار فلسطين وقصة خروج أولئك الأنجلو - ساكسون من بريطانيا لاستعمار أمريكا، وأنهم لم يأتوا إلى (أرض الميعاد الأمريكية) إلا لتأسيس دولة عبرية تحكمها شريعة موسى، وإن الذين يعارضون (دولة إرادة الله) ليسوا إلا مخلوقات الشيطان التي أحل الله لشعبه المختار أن يبيدها.

ولعل مما يدل على ذلك التطابق في أذهان أولئك القوم أن أول كتاب طبع في أمريكا كان كتاب (مزامير داود سنة 1640م، وأن اللغة العبرية كانت لغة رسمية في جامعة هارفرد عند تأسيسها عام 1636م وأن أول درجة للدكتوراه منحت منها عام 1642م كان عنوانها (العبرية هي اللغة الأم).

وتحت عنوان فرعي (أمريكا والقدر المتجلي) ذكر الأستاذ العكش أن عبارة (القدر المتجلي) مستلهمة من اعتقاد بأن الله اختار البيض الأنجلو - ساكسون ليكونوا شعباً فوق كل الشعوب، ووكل إليهم أمانة الهيمنة على الأراضي الهندية وعلى العالم.

وتحت عنوان فرعي آخر (القيامة ونهاية التاريخ) قال الأستاذ العكش: إن الطموح إلى إعادة صياغة العالم ما يزال جوهر مشاريع (النظام العالمي الجديد).واستشهد على ذلك بما ورد في كتاب لبات روبرتسون من أن (الكتاب المقدس هو الذي يعد بتلك الحكومة العالية التي ستقضي على كل أعداء إسرائيل).

ومن ثوابت هذا النظام:

1- تجميع اليهود في فلسطين استعداداً لعودة المسيح ونزول أورشليم من السماء.

2- تدمير بابل بقصفها من السماء ومحوها من على وجه الأرض.

3- (عصر الدم) أبناء المدنيات الملعونة (هكذا) ما بين الفرات والنيل في (معصرة غضب الرب).

وقال الأستاذ العكش: إن روبرتسون يمضي في تفسير (النظام العالمي الجديد) ليقول:

(من موقع برج بابل حيث تبلبلت الألسنة، وتفرقت كل أمم الأرض ها هي الأمم تعود من جديد، وتدخل في حلف عسكري واحد، وها هي - كما تقول النبوءات - العبرانية تشكل نظاماً عالمياً جديداً للدفاع عن إسرائيل، والانتقام من بابل بقصفها من السماء لأنها هي التي عذبت شعب الله وأغرقته بالدموع والأحزان).

أما الملحق الثاني من كتاب الأستاذ العكش (تلمود العم سام)؛ وهو عن (حوار الحضارات وحرب استئصال الأصالة)، فقد بدأه هذا المؤلف باقتباس لا يرمز إلى إمكانية ذلك الحوار؛ إذ هو لزعيم هندي يقول: (إنهم - يعني المحتلين الإنجليز - لا يعرفون السلام إلى على جثثنا الهامدة). وفي هذا الملحق أشير إلى أن نهاية الألف الميلادي كانت تشهد عالمية علمية رموزها من العرب والمسلمين، وكان انسياحها نهراً من الإبداع والثراء الفكري. وأشير أيضاً إلى أن نهاية الألف الثاني الميلادي شهدت نهاية قرن هو أكثر القرون دموية وضحايا، وإن يكن أعظمها تقدماً علمياً وتقنياً.ومما تناوله الأستاذ العكش في هذا الملحق (افتتاح بريطانيا مع حلفائها القرن بإسقاط الدولة العثمانية، وإجهاض مشروع الدولة العربية، وتمزيق أشلائها، ونهب ثرواتها.

ثم ورثت الجميع دولة أمريكا لتحاول هزيمة أي نهضة عربية، عسكرية أو ثقافية.

وفي خضم الأحداث تشن مع الدولة الصهيونية حرب إبادة لخصائص مقاومة الأمة العربية وتحديها الحضاري. فباسم الحرب على الأصولية تتعرض أصالة المسلم والمسيحي؛ تقدمياً أو رجعياً، مؤمناً أو ملحداً، لحملة تشويه شاملة ما دام المتمسك بتلك الأصالة معارضاً للهيمنة والاحتلال.

وبينما أصبح يوجد - في العقد الأخير بالذات - متفائلون بأن يكون هناك حوار حضاري تنتج عنه أمور إيجابية لصالح البشرية يرى الأستاذ العكش أن حوار الحضارات مصادر سياسياً؛ إذ يفترض فيه أن نبدد كأننا مذنبون نطلب الغفران من أعدائنا وكأننا نحن الذين نحتل ونهيمن ونقتل وننهب ونحاصر، بل كأن ذنوبنا - وهي الصمود أمام أولئك الأعداء - لا يقرها الدين. فحوار في ظل هذه الظروف ملغوم من جذوره وعمل مسرحي متهافت. هناك ثلاثة أوهام: الأول الاعتقاد بأن الحوار الحضاري لا يتم إلا في مؤتمرات يبدأ حين دخول القاعة، ثم يتوقف عند الخروج منها. والثاني أننا نعتقد أن العالم قبل ظهور الإسلام لم يعرف غير اليهود، ولم نلتفت إلى الحضارات الأخرى.

والثالث أن المركزية الأنجلو - ساكسونية للعالم وللتاريخ والطبيعة حجبتنا عن كلية الحضارة الغربية وحضارات العالم؛ بل وتحكمت بتفسيرنا لحضارتنا العربية الإسلامية نفسها. ويختتم الأستاذ العكش الملحق بالتوصية بأن نسأل الهنود، فهم أفضل من يعرف أعداءنا وأعداءهم. وقد قال أحد زعمائهم سنة 1787م:

(إنهم يفعلون ما يحلو لهم، يستعبدون كل من ليس من لونهم.. يريدون أن يجعلوا منا عبيدا. وحين لا يتحقق لهم ذلك يقتلوننا. إياك أن تثق بكلامهم أو وعودهم.. إنها أحابيل.. صدقني إنها أحابيل، فأنا أعرف سكاكينهم الطويلة جداً).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد