Al Jazirah NewsPaper Monday  10/11/2008 G Issue 13192
الأثنين 12 ذو القعدة 1429   العدد  13192
ربيع الكلمة
عبقرية بنكهة الجنون!
لبنى عصام بن عبدالله الخميس

كثير من العظماء والقادة والمبدعين والعباقرة الذين تحدث عنهم التاريخ وتناقلت سيرهم الكتب وألسنة البشر وكانت إنجازاتهم وحكاياتهم نوراً وضوءاً ينير مسيرة الإنسانية طولاً وعرضاً كانوا يعانون من أمراض واضطرابات عقلية صعبة ومعقدة وهم في ذروة الإبداع والإنتاج والتدفق والعطاء اللا محدود.

وهذا يجعل العبقرية في أقصى حالاتها ترتبط أحياناً بالجنون والشذوذ والطباع الغريبة، والذي يجعلنا نجزم بأن هناك شعرة دقيقة ورفيعة كنسيج العنكبوت بين العبقرية والجنون الذي أودى في أبشع حالاته بحياة بعض العظماء والعلماء والأدباء الذين عالجوا كثيراً من قضايا البشر وأورثوا النظريات والكتب التي سهلت حياة البشرية من بعدهم والتي ستبقى حاضرة إلى يوم الدين.

من أهم هؤلاء العباقرة الذي كان لهم نصيب مؤذ من الجنون الرسام الهولندي (فان جوخ) الذي تعتبر بعض لوحاته أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في التاريخ، فقد قطع أذنه اليسرى بشفرة حلاقة وقدمها هدية لحبيبته، كما أنه حاول ابتلاع لوحاته أثناء تواجده في مستشفى الصحة النفسية والتي رسم بها أجمل لوحة في مسيرته (الليلة المضيئة بالنجوم)، وانتهى به الأمر برصاصة وجهها إلى صدره توفي بعدها بأيام لتبقى لوحاته إبداعاً يذهل ويسر الناظرين.

وكان للروائي الفرنسي الشهير الذي كان يعتبر بانوراما المجتمع الفرنسي في إحدى الفترات (أنوريه دي بلزاك) قصة مع الشذوذ والغرابة، فطالما تحدث الناس عن أسطورة بلزاك وقدرته الخارقة على العمل ليلاً، فقد كان يغلق النوافذ عليه بدءاً من الساعة العاشرة مساء ثم يحضر (طنجرة) كاملة من القهوة ويبدأ في الكتابة والإنتاج الكتابي حتى الصباح دون توقف، خمس عشرة ساعة يومياً!.

ومن تصرفاته المستغربة أنه كان يسجل أرقام المنازل حين يسير في الشوارع والأزقة الباريسية، فإذا كانت من مضاعفات الرقم ثلاثة يكمل سيره بتفاؤل وسرور! أما إذا كانت غير ذلك فإنه يغير اتجاهه إيماناً منه أنها منحوسة وملعونة!

كما أن الصحفي والفيلسوف الفرنسي العالمي (فولتير) كان لا يكتب إلا وأمامه حزمة من أقلام الرصاص يحطمها بعد الانتهاء من الكتابة ويضعها تحت وسادته لينام بسلام، كما كان يشرب أكثر من خمسين فنجان قهوة في اليوم!

ومن ضمن قائمة غريبي الطبائع والطقوس الكاتب التشيكي (فرانتس كافكا) الذي كان يستحم بالماء المثلج ويعاقب جسده كثيراً وهو من طالب بإبادة كل كتاباته بعد موته.

وكذلك الكاتب الألماني (آرثر شوبنهاور) الذي اشتهر بفلسفته التشاؤمية التي ترى أن الحياة شر مطلق وتعتبر أن الانتحار حل وأمر إيجابي، كان يدخل في نوبات عقلية معقدة عجز الطب عن تفسيرها وكان يعاني من جنون العظمة، فقد كان يقارن نفسه بالمسيح ويؤمن أنه المبعوث الإلهي لهداية البشر، كما كان يعاني من عقدة الاضطهاد ويعتقد أنه ملاحق وأن هناك مؤامرات قذرة تحاك ضده لقتله والتخلص منه، فكان يحمل سلاحه باستمرار فإذا سمع صوتاً أمسك بسلاحه اعتقاداً منه أن هناك شخص قادم لاغتياله، كما كان يخاف أن يسكن في الطابق الثاني والثالث وما فوقهما خشية أن يحصل حريق فلا يستطيع القفز!

وقائد الثورة البلشفية الروسية (نيكولاي لينين) كان صاحب شخصية شاذة ومعقدة يعيش حياة الخشونة، ويرفض الجلوس على كرسي مريح وأنيق ويرفض أيضاً أن توضع الزهور على الطاولة أو أن يستمع إلى الموسيقى، وكان يؤخر ساعة يده ربع ساعة.

والعالم الفذ (لويس بايستر) مكتشف الجراثيم نسي يوم زفافه!

أما (نيتشه) الكاتب والفيلسوف الألماني صاحب كتاب (هكذا تكلم زارادشت) والذي تميز بشخصية غنية وبعقل جبار وعظيم حاول الانتحار ثلاث مرات وأنهى حياته مصاباً بالجنون الكامل بعد أن عاش سنوات طوالاً في المصحات العقلية وفي ساحات العصفورية.

الكثير يعتقد أن هؤلاء العظماء وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم والذين قادوا البشرية وأثروا المكتبات بكتبهم والعقول بنظرياتهم والحياة كلها بإنجازاتهم التي سوف تخلد أسماءهم في صحائف التاريخ كانوا يعيشون حياة هنيئة وسعيدة خالية من المخاطر وبعيدة عن الجنون والشذوذ ولكن هذه الحكايات التي روتها لنا الأيام تثبت عكس ذلك وتجعلنا في حيرة من أمرنا! كيف لمن أنار الظلام وسحق الجهل وأدخل البشرية مرحلة متقدمة من الحضارة والتطور يعاني من جهل يجعله يقدم على الانتحار ومن حماقة تجعله يقطع أجزاء من جسده وأن يتصرف بغرابة مؤذية له ولمحبيه.

هل يضل من كانت العميان تهديه حقاً؟ أم أن الحكمة تؤخذ من أفواه المجانين؟ الله أعلم!.. ودمتم بعقل.
















 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد