Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/11/2008 G Issue 13193
الثلاثاء 13 ذو القعدة 1429   العدد  13193
حانت لحظة صندوق النقد الدولي
آيج باكر *

أصبح العالم اليوم في خضم أزمة مالية غير مسبوقة تأثرت بها جميع بلدان العالم. ولقد اتُخِذت التدابير المنسقة الفريدة من نوعها في الحجم والنطاق، من أجل استعادة الثقة والحد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي. كما دعا الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش زعماء العالم إلى الاجتماع في قمة تستضيفها واشنطن في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، لتصميم هيكل مالي عالمي جديد قادر على منع تكرار الأزمات كهذه التي يعيشها العالم اليوم. والواقع أن صندوق النقد الدولي، المؤسسة العالمية الوحيدة المفوضة بحماية الاستقرار المالي، قادر على الاضطلاع بدور مركزي في هذه المهمة.

إن إصلاح النظام المالي الدولي لا بد وأن يركز على تحسين الإشراف المالي، والمزيد من الشفافية في الأسواق المالية، وإنشاء نظام إنذار مبكر فعّال لتنبيه العالم إلى الأزمات المالية المحتملة، وتحسين عملية تنسيق السياسات على المستوى الدولي.

لقد أوضحت الأزمة الحالية أن الإشراف الدولي على البنوك العاملة على مستوى عالمي غير كافٍ. فقد أدت الثغرات التنظيمية إلى انتشار الأزمة إلى بلدان أخرى. وكانت الآليات اللازمة لحل الأزمات غائبة بالنسبة للبنوك العاملة على مستوى عالمي. وهذا يسلط الضوء بشدة على الحاجة إلى التنسيق الدولي لعمليات التنظيم.

فضلاً عن ذلك فإن المزيد من الشفافية يستلزم الاتفاق على إنشاء هياكل تحفيزية في القطاع المالي، تعمل على تثبيط الرغبة في الإفراط في المجازفة. لمدة طويلة، كان من المتصور أن كل الابتكارات المالية تعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية وتساعد في انتشار عامل المجازفة وعدم تركزه. ولكن مع زيادة تعقيد المنتجات المالية لم يعد أحد يعلم الجهة التي خاضت المجازفة في الأساس.

بطبيعة الحال، كانت هناك تحذيرات من أن خوض المجازفات أصبح مفرطاً، ولكن كان من المأمول لمدة طويلة أن تتمكن قوى السوق من حل كافة مشاكلها. إننا بحاجة إلى آليات للإنذار المبكر إلى جانب آليات متابعة راسخة. وهذا لا يعني بالضرورة أن الإجابة المناسبة تتلخص في فرض المزيد من التنظيمات؛ بل إن المهم في الأمر أن تكون التدابير متسقة.

إن تحسين الإشراف يشكل أهمية واضحة، ولكن يتعين على الدول أن تكون مستعدة لتنسيق سياساتها الاقتصادية وسياسات أسعار الصرف. فبسبب شراء البلدان ذات الاقتصاد الناشئ لكميات هائلة من الدولارات، فقد ساعدت بذلك، ولمدة طويلة، على دعم ثقافة الائتمان في الولايات المتحدة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى هذه الأزمة.

إن اضطلاع صندوق النقد الدولي بدور أقوى يشكل أهمية خاصة وذلك لأن كل هذه القضايا مترابطة. والحقيقة أن صندوق النقد الدولي، بفضل عضويته العالمية وخبراته الدولية المتراكمة، في وضع يؤهله بشكل أفضل لتولي دور قيادي في إدارة التوجه المتعدد الأطراف نحو تحقيق الاستقرار المالي.

وينبغي لهذا الدور أن يتجاوز المهام التقليدية للصندوق كمستشار وملاذ أخير للإقراض. إن الدور الاستشاري الذي يمارسه الصندوق يجعله عُرضة للانتقادات من جانب البلدان النامية التي لا تلتفت بلدان العالم الصناعي إلى نصيحتها. وبينما تعمل الفرق التابعة لصندوق النقد الدولي الآن في مختلف أنحاء العالم من أجل مساعدة الحكومات في ابتكار البرامج القادرة على استعادة الثقة، فمن الواضح أن دور الملاذ الأخير للإقراض ليس بالدور العتيق. بيد أن الأمر يشتمل على مسحة من المرارة: إذ يتعين على صندوق النقد الدولي الآن أن ينظف الفوضى التي تعاني منها البلدان الناشئة والتي نتجت عن أزمة مالية نشأت في مكان آخر.

وعلى الصعيد العالمي، يستطيع صندوق النقد الدولي أن يساعد في تصميم نظام شامل يحكم الأسواق المالية من خلال توفير خطة عمل للاعبين الرئيسيين. ويستطيع الصندوق أيضاً أن يتولى تقديم الدعم التحليلي، والتعرف على الثغرات التنظيمية، وتحديد المواطن التي تحتاج إلى تعزيز التنظيم. ويتعين على الصندوق أن يراقب التقدم، ولكن على أن يمتنع عن العمل كجهة تنظيمية، فيظل التفويض بين أيدي الجهات الإشرافية الحالية والمجموعات الدولية، مثل منتدى الاستقرار المالي. ولكن صندوق النقد الدولي سوف يعمل كمشرف على المشرفين.

وعلى المستوى الوطني، يستطيع صندوق النقد الدولي أن يعمل على تقييم الأجهزة التنظيمية وتقديم التوصيات. لقد سعى العديد من أعضاء صندوق النقد الدولي إلى القيام بهذه المهمة على أساس تطوعي. بيد أن الولايات المتحدة ما زالت ممتنعة حتى الآن عن السماح لصندوق النقد الدولي بالتدخل. من الأهمية بمكان أن تكون المراجعات إلزامية تحت إشراف برنامج تقييم القطاع المالي التابع لصندوق النقد الدولي، ولابد وأن تكون عمليات المتابعة ضمن الأنشطة الإشرافية الاعتيادية التي يتولاها الصندوق.

إن عملية تحسين تنسيق السياسات من الممكن أن تستفيد من العمل التحليلي المحسن للارتباط القائم بين التطورات المالية والاقتصاد الحقيقي. واستناداً إلى التحليلات المستقلة التي يقوم بها الصندوق، فلابد من تفويضه بدعوة صناع القرار السياسي في البلدان الأعضاء الرئيسية إلى طاولة المفاوضات. إذ أن المشاورات متعددة الأطراف من شأنها أن تساعد في منع البلدان من اتخاذ إجراءات اقتصادية قد تؤثر سلباً على الاستقرار المالي والاقتصادي في بلدان أخرى. ولابد أيضاً من التصدي بقوة أكبر لمظاهر الاختلال في التوازن العالمي.

وأخيراً، لابد وأن يكون صندوق النقد الدولي أفضل تجهيزاً للتعامل مع مشاكل القطاع المالي. ذلك أن برامج صندوق النقد الدولي التقليدية والتي تركز على الميزانية أو السياسة النقدية لا تفي بالغرض في هذه الأزمة المالية. ويتعين على الصندوق أن يؤسس خطوط ائتمانية للبلدان التي تتبني سياسات سليمة في التعامل مع الاقتصاد الكلي. وفي هذه الحالة تنتفي الحاجة إلى الاشتراطات التقليدية التي يفرضها صندوق النقد الدولي. في هذا الأسبوع أسس صندوق النقد الدولي صندوقاً جديداً للسيولة النقدية بقيمة مائة مليار دولار. وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح.

في اجتماعه السنوي الأخير، طُلِب من صندوق النقد الدولي أن يتولى زمام المبادرة، وأن يستخلص الدروس من الأزمة، وأن يطرح مقترحاته لتحسين الهيكل المالي. حتى الآن، كان على صندوق النقد الدولي أن يعتمد على جوده نصائحه وتوصياته، إلا أنه لا يحرك ساكناً حين يتم تجاهل مشورته. وهذا لابد وأن يتغير.

إن الدور الاستشاري الذي يلعبه صندوق النقد الدولي لابد وأن يكون ذا أنياب. ويتعين على الصندوق أن يبث رسائل سياسية أشد قوة، وإذا لزم الأمر فلابد وأن يكون قادراً على فرض مشورته. إن الأسابيع المقبلة سوف تبين لنا ما إذا كان زعماء الحكومات الذين يوجهون الدعوة الآن إلى عقد مؤتمر ثانٍ على غرار بريتون وودذ على استعداد لمنح مؤسسات متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي، مثل هذا التفويض المعزز.

* المدير التنفيذي الهولندي لصندوق النقد الدولي وهو يمثل ثلاث عشرة دولة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.
www.project-syndicate.org
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد