Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/11/2008 G Issue 13194
الاربعاء 14 ذو القعدة 1429   العدد  13194
يارا
صندوق العقار الأبدي
عبد الله بن بخيت

أصبح في حكم المؤكد أن تقرأ كل شهر أو شهرين خبراً عريضاً يقول إن البنك العقاري أسقط قروضاً عن موتى.

عندما صدر قرار إسقاط الديون عن المتوفين كان هدفه تخفيف تكاليف الحياة عن الأسر التي فقدت عائلها. قرار واحد يشمل جميع من توفوا قبل تاريخ 29 -9-1428هـ ولكن هذا القرار أخذ عند إدارة البنك أبعاداً إعلامية. تحول إلى خبر دوري يعيد اسم صندوق العقاري إلى واجهات الصحف. أصبحنا موعودين كل شهر أو شهرين أن نقرأ عن تسديد مديونية عدد من المتوفين. لا أعرف هل تكرار هذا الخبر موجه للأحياء أم للأموات. الأحياء صرفوا النظر عن هذا الصندوق والأجيال الجديدة تحديداً لم تسمع بوجوده. في الواقع لا يوجد لدى الصندوق من أخبار أكثر من نشر خبر توزيع دفعة جديدة متهالكة. عند تدبيج خبر صرف الدفعة لا يكتفي الصندوق بذكر المبالغ التي يصرفها في حدود تاريخ الخبر ولكنه يختم كل خبر بذكر جميع المبالغ التي يصرفها في حدود تاريخ الخبر ولكنه يختم كل خبر بذكر جميع المبالغ التي صرفها منذ تأسيسه. مليارات كبيرة تصنع الوهم. الذي يقرأ الخبر بسرعة أو بدون انتباه سيظن أن الصندوق قدم قرضاً للشعب الصيني لا عدداً محدوداً من المواطنين.

كثير من البيوت التي بناها الصندوق هدمت أو هجرت. أصبحت ذكريات. لم يبق من حضورها في ذاكرة الناس سوى هذه المبالغ التي يرددها الصندوق للتذكير بوجوده وتعييرهم بها. أصبح الناس يتحدثون عن الأزمات العقارية بعيداً عن حضوره. لم يعد في الذاكرة العقارية. خرج من الآمال. انصرف الناس إلى جهات أخرى يرتجونها حلولا. استغلال قرار إسقاط الديون عن الموتى فرصة يائسة للبحث عن حياة لم تعد موجودة. لا نعلم ما الذي يفعله الموتى في قبورهم ولكن لا أظن أن من بين اهتماماتهم قراءة الجرائد. انتقال الصندوق من التفاخر على الأحياء إلى التفاخر على الموتى ربما تكون رفسة الحياة الأخيرة لينضم هذا الصندوق العريق إلى الراقدين إلى الأبد.

بدأ صندوق العقاري قبل سنوات بعيدة. أيام الطفرة الأولى. معظم البيوت القديمة التي قد تصادفك في كل مكان من المملكة انتصبت بفضل وجوده. نقل الناس من العشش ومن بيوت الطين وبيوت الصفيح إلى فلل قياسية. لا أحد ينكر فضل هذا الصندوق. كان بديلاً إنسانياً عما يعرف في الدول الأخرى بالرهن العقاري. يقدم قروضا معكوسة الربح لمصلحة المقترض. ولكن الزمن وقف ضده. إنجازاته أصبحت تاريخاً. ما تبقى من حوزته وقيمة القرض التي يمنحها لا تكفي لبناء عشة متكالمة الاحتياجات. لماذا لا تحول المبالغ المتبقية فيه إلى قروض للموتى. إذا عجز الفقراء عن بناء بيوت تليق بسعوديتهم على الأقل سوف يحصلون على قبور فاخرة وأكفان أنيقة يرفلون فيها إلى أن تقوم الساعة. عندئذ يصبح اسمه الصحيح صندوق العقار الأبدي.



Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد