Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/11/2008 G Issue 13197
السبت 17 ذو القعدة 1429   العدد  13197
(أوباما) الرئيس الاقتصادي
د. زايد الحصان

هل أصبح أوباما تاريخياً هو أول رئيس أمريكي يمارس مهامه الرئاسية (الاقتصادية) فعلياً قبل حفل التتويج (الحزبي) الذي جرى العرف على إقامته قبيل وقت قصير من تسلم مهامه الرئاسية الرسمية في 20 يناير، أي بعد شهرين ونصف الشهر من نهاية الانتخابات الرئاسية التي جرت في الرابع من نوفمبر الماضي.. الجواب نعم، فلم يكد يمضي إلا أيام قليلة (خمسة أيام) بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، وقد رأينا الرئيس المنتخب يدلف داخل أشهر مقر سياسي في العالم (البيت الأبيض) في زيارة مفاجئة وصفت ظاهرياً بأنها زيارة عائلية، لكنها ضمنياً كانت تسليماً لدفة القيادة (الاقتصادية) الأمريكية لإخراج الاقتصاد الأمريكي من المنزلق الخطير الذي وجد نفسه قسراً فيه، والذي لا يزال ينزف ساعة بعد ساعة، بل دقيقة بعد دقيقة، في موقف عجزت خلاله الإدارة الحالية من احتواء الأزمة لافتقادها للخبرات الاقتصادية من أرباب الفكر الاقتصادي المتمرس من علماء الاقتصاد الأمريكيين وهم كثر بالطبع، ولكن لم يكن الاقتصاد في يوم من الأيام على رأس أولويات الرئيس بوش خلال فترته الرئاسية (الثانية) حيث تم تجميد الدعم المادي للعديد من القطاعات الاقتصادية الهامة وعلى رأسها على سبيل المثال لا الحصر قطاع البنية التحتية وقطاع البيوتكنولوجي وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وبدلاً من ذلك تمَّ التحكم في مفتاح النشاط الاقتصادي بواسطة اتباع سياسة نقدية (دقيقة) حيث تمَّ الاحتفاظ بأشهر اقتصادي أمريكي في هذا المجال وهو آلان جرينسبان لقيادة دفة السياسة النقدية حتى غادر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قبل أن تشتد الأزمة المالية وتستفحل وتتحول إلى (تسونامي القرن) كما وصفه هو بنفسه وقد كان محقاً.. وقد أحسن الرئيس بوش صنعاً عندما استقبل أوباما في مقر إقامته في البيت الأبيض وبعيداً عن وجود المستشارين لكليهما، وقد أحسن صنعاً كذلك حينما وصف انتخاب أوباما بأنه (نصر لأمريكا)، وهو بالفعل نصر للاقتصاد الأمريكي المريض، ولا أكون مبالغاً لو أعلنت أننا أمام رئيس جديد قد يكون الأفضل في تاريخ أمريكا المعاصر سياسياً و(اقتصادياً) واجتماعياً و(علمياً)، وستكون فترة رئاسته فترة رخاء وازدهار اقتصادي قد تتجاوز في إنجازاتها الإنجازات الذهبية للمرحلة (الكلنتونية)، فهو قد بدأ خطواته الفعلية بإيقاف التصرف بخطة الإنقاذ (البوشية) ذات ال700 مليار دولار وإعادة النظر بطريقة صرفها التي تم انتقادها من قِبل كثير جداً من علماء الاقتصاد الأمريكيين وعلى رأسهم الفائز مؤخراً بجائزة نوبل للاقتصاد بول كروجمان، كما انتقدت تلك الخطة واحدة من أشهر عالمات الاقتصاد الأمريكيات في القرن الماضي السيدة آنا شوارتز ذات التسعين ربيعاً، وكنت قد نقلت آراءها الهامة في خطة الإنقاذ (البوشية) في هذه الصفحة بتاريخ 25 أكتوبر الماضي حينما ذكرت أن نتائج تلك الخطة على الاقتصاد الأمريكي ستكون (لا شيء)، لأنها ترى أن الخطة وجهت أساساً لمساعدة أباطرة الثروات من أصحاب النفوذ والبانكرز (The bankers) من خلال مساعدة تلك البنوك بشراء أصولها (الميتة) أي تحميل الخطة تلك الخسائر، وتعتقد السيدة آنا أن الخطة لم تكن موجهة (كما هو المفترض) إلى إصلاح النظام المالي الأمريكي برمته.. وهذا ما قام به الرئيس المنتخب أوباما خلال الأيام القليلة الماضية حينما ظهرت للعالم الخطة (الأوبامبة) الجديدة التي تمَّ توجيهها لخدمة النظام المالي وليس لإنقاذ البنوك تماماً كما أرادته اقتصاديتنا العجوز آنا شوارتز، التي بالتأكيد ستسرها الخطة (الأوبامية) الجديدة وسينعكس ذلك على سرعة التئام كسورها من حادث الانزلاق الذي تعرضت له مؤخراً.. هذا التعديل في الخطة الذي فاجأ العالم يوم الأربعاء الماضي لم يكن حقيقة مفاجئاً لمن يسبرون أغوار الحزبين وفلسفاتهما الاقتصادية المتنافرة، بالقدر الذي سوف يشعرهم ب(خيبة الأمل الكبيرة) بسبب عدم تمكن الرئيس المنتخب ولاعتبارات (بروتوكولية) من مقابلة ضيوف المؤتمر الاقتصادي العالمي في نيويورك، وهو تجمع سيذكره التاريخ لسنوات طوال، وتحديداً مشاركة الولايات المتحدة برئيسين في هذا المؤتمر التاريخي فيما لو حدث، ولذلك يقول الرئيس المشارك لفريق أوباما الذي يقود عملية انتقال السلطة بين الحكومتين جون بودستا بأنه ليس من المناسب أن يظهر الرئيسان معاً في هذا اللقاء التاريخي.. الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر العالمي يعقد بمشاركة (صفوة) الدول العالمية اقتصادياً وسياسياً، وإنه لمن الفخر لنا كسعوديين أن تُدعى المملكة العربية السعودية لهذا المؤتمر كواحدة من الدول المؤثرة على الساحة الدولية اقتصادياً وسياسياً، والأجمل من ذلك هو ترؤس خادم الحرمين الشريفين - أيده الله- شخصياً للوفد السعودي المشارك في هذا اللقاء التاريخي حيث تتعامل المملكة مع الأزمة المالية العالمية معاملة حكيمة راعت فيها أولاً (مصلحة) الاقتصاد السعودي وثانياً (سلامة) الاقتصاد العالمي من التداعيات السلبية لهذه الأزمة التي بالتأكيد ستطال جميع دول العالم فقيرها وغنيها بلا استثناء.. وأرى أنه من المناسب أن ينسى فريق أوباما تداعيات المكالمة الهاتفية التي تمت بين الرئيس المنتخب ونظيره البولندي التي (أُسيء) فهمها صحافياً وسببت إحراجاً لفريق أوباما بسبب أزمة الدفاع الصاروخي حيث بدأ يعتقد فريق أوباما الاستشاري أن اللقاءات الشخصية بين أوباما وضيوف المؤتمر ستعطي دلالات (مفعمة) بالمخاطر، وفي الوقت نفسه أتمنى أن يتم ترتيب لقاء قمة (غير رسمي) بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس المنتخب، حيث القواسم المشتركة بينهما كثيرة جداً منها السياسي ومنها الاقتصادي وهو الأهم.. فالاقتصاد السعودي يمر في فترة تحول كبيرة نحو اقتصاد المعرفة قد تستغرق أكثر من عشر سنوات قادمة، وتحتوي مفكرة الرئيس الأمريكي المنتخب على العديد من الأجندة الاقتصادية الحيوية التي يحتاجها الاقتصاد السعودي في عملية التحول تلك والتي من أهمها زيادة الإنفاق على المؤسسات العلمية البحثية والصناعات البيوتكنولوجية والدقيقة، والتي بالإمكان الاستفادة منها عن طريق تعزيز مراكز الأبحاث السعودية بالخبراء الأمريكيين على أساس من التعاون المشترك والبنَّاء ضمن اتفاقيات تعاون شاملة تعود بالنفع على الاقتصاد السعودي خلال رحلة تحرره من قبضة اقتصاد النفط.. وختاماً، لا يحق لي أن أتحدث عن المكاسب السياسية التي ستحصل عليها بالتأكيد منطقة الشرق الأوسط فيما لو تم هذا اللقاء بين الزعيمين، فهناك من هو أقدر مني من الخبراء السياسيين على تحليل نتائج وفوائد ذلك اللقاء فيما لو تم والذي أتمنى أن يتم لمصلحة السلام العالمي.

استاذ العلوم الاقتصادية والمالية المشارك بجامعة الملك سعود



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد