Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/11/2008 G Issue 13198
الأحد 18 ذو القعدة 1429   العدد  13198
أما بعد
انكماش الجهد السني
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

لقد ترتب على أحداث الحادي عشر من سبتمبر العديد من المواقف والممارسات والأفعال، وأعلنت دول -صراحة- عن عزمها على التصدي للإرهاب ورموزه، وأعلن أفراد -صراحة أو تلميحا- عن أسباب الإرهاب ومحاضنه، وما ينبغي اتباعه لتجفيف منابعه، والقضاء على ذيوله وخلاياه اليقظة والنائمة.

لقد تبدلت الأحوال بعد أحداث سبتمبر، وتمخض عنها مواقف تبعث على الأسى والأسف، وتثير في النفوس الحسرة والألم، لأنها في جملتها مواقف منفعلة، وبنيت على قراءات يغلب عليها الظن والربط غير المنطقي، ولهذا ما زال الكثير من المتابعين لمجريات الأحداث المشؤومة يرجح أنها مسرحية سخيفة، وفزاعة مؤرقة، صنعت أحداثها بإتقان تام، وصيغت لتمرير الكثير من المفاسد والمظالم، وكان من أوضح ثمارها قطع الطريق على كل التطلعات والجهود (الخيرية) التي كانت تبذل في السعي إلى هداية الناس وصلاحهم، وتخفيف آلامهم وهمومهم، ومواجهة صور الفساد والإفساد المتعمد لتدمير القيم، وكل المعاني الفاضلة.

ولهذا سارعت الدول الكبرى إلى استغلال قوتها الخشنة في التعدي والقهر، وسفك الدماء البريئة، وهاهي ما زالت في غيها واستكبارها تمارس أدوار العبث وسفك الدماء والقتل والتشريد في أفغانستان وفلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين، وهي بهذا التسلط تثبت أنها دول تجردت من كل المعاني الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وأنها باستخدامها لقوتها الخشنة أثبتت أنها تفتقر إلى أبسط أبجديات التعامل العاقل المنصف، الذي يتغلب فيه العقل والمنطق، حيث الإحكام والضبط عن الشطط والبغي والعدوان، هكذا هي حال الأمم التي اختلت فيها معادلات السلوك السوي، حيث تبني أيديولوجياتها على مفاهيم مشوهة، وتحولها إلى سلوكات منحرفة دون ضابط أو مرشد من الوجدان، الذي غالباً ما يضبط السلوك ويهديه إلى الصراط المستقيم.

هذا ما تجلى ورشح عن دول البغي والاستكبار، وهي بهذا تنفذ أجندتها الخفية المرتبة المقصودة من أحداث سبتمبر، ولكن ما بال الدول التي كانت ملجأ للخائفين، وملاذا للمشردين، وبلسما يخفف آلام المقهورين، ما بالها تقهقرت مساعيها، وخبت جهودها، وقصرت أيديها، وانكفأت على نفسها خائفة، ما بالها جففت منابع الخير؟ وقطعت سبل التواصل مع المحتاجين، في داخل بلدانها وخارجها، ما بال المحسن يتوجس خيفة من مد يد العون ؟ وكأن الصدقة والإحسان سبة وعاراً وجريمة يعاقب عليها.

لقد انكمش الجهد السني وتراجع، بل كاد يخبو وينهزم أمام تغذية سبل الخير والتواصل معها، وتلبية حاجاتها، على مستوى الأفراد والحكومات، فأقفلت جمعيات خيرية - ولا بواكي عليها -، وضيق على فتح الجمعيات الخيرية، وخاف المحسنون من التواصل مع القائم منها، فقلت موارد الخير مما أثر سلبا على التواصل مع المحتاجين والمعوزين.

في حين أن الجهد الشيعي يتوسع، ويمارس أدواره بكل جرأة، بل يعلن عن هذا ويتحدى، فأضحت الأيادي الشيعية ممدودة في كل اتجاه، وفي كل مجال، وعلى مختلف المستويات، وليس بخاف الأثر الوجداني لهذا المد، وما يتبعه من تأثير وتبعية.

إن هاجس تجفيف منابع التواصل مع خلايا الإرهاب، أضحى شماعة يسوغ عليها قطع سبل الخير والإحسان، في حين كان الأمل أن تتوسع دائرة مؤسسات المجتمع المدني وجمعياته الخيرية، وأن تضبط ممارساتها بمجالس إدارة مؤهلة موثوقة مؤتمنة، فهي الأقرب إلى الناس، وهي الأقدر والأعرف بحاجاتهم، ومما يحز في النفس ويزيدها ألما وحسرة، أن دائرة المحتاجين إلى أبسط ضرورات الحياة اليومية في ازدياد، وأن بعضها تقف أمامه والخجل يجللك لأنك غير قادر على توفير ما يعد من متطلبات المحافظة على رمق الحياة، وحفظ النفس والعرض، من دراهم معدودة، أو مساعدات عينية.

فهل من وقفة محتسب، يدفع إلى التوسع في مؤسسات العمل الخيري، فهي السبيل الأفضل، والمنهج الأنسب، والطريق الأقرب إلى التواصل مع المعوزين وتلبية حاجاتهم.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد