بين مطرقة إرث حضاري متواضع وسندان تحديات مصيرية معاصرة نواجه اليوم معضلة التنمية التي تهدد وجودنا وأمننا. ومع تعاظم مؤشرات تخلفنا تزداد حاجتنا إلى تعليم نوعي يحررنا من أسر هذا التخلف، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بوجود تعليم يحترم عقل الفرد ويصون حريته واستقلاله. إن تخلفنا الحضاري يعزى إلى أننا نقدم تعليماً يغيب العقل ويرسخ ثقافة التخلف ليعيد إنتاج المجتمع ثقافياً. لقد فشلت التربية العربية في صياغة عقول مفكرة، ونجحت في المقابل في تشكيل شخصيات خرافية أسطورية مستلبة ومتلقية ومنمطة، وبذلك أصبحت التربية كابحاً أوقف انطلاق النهضة العربية وعطل كل محاولات التحديث والتطوير. لقد حاولنا إصلاح التربية العربية ولكنه كان للأسف إصلاحاً مظهرياً مخادعاً لم يتجاوز صياغة خطط وإستراتيجيات هلامية غير قابلة للتطبيق أو بناء مناهج مترهلة غاية مطوريها نوعية الورق وتصاميم الغلاف. إنها تربية قامت على تذويب الفرد في المجتمع وعلى القمع والإخضاع والتسلط والترويض ونبذ الحوار والإقناع، وانشغلت بترسيخ قيم الطاعة والانقياد، لقد بقيت التربية العربية تقدم تعليماً نظرياً منفصلاً تماماً عن حياة المتعلمين وبعيداً عن تحديات مستقبلهم، إنها تربية توقفت جامدة عند الماضي وفشلت في الإعداد للمستقبل، وللحديث بقية.