Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/11/2008 G Issue 13198
الأحد 18 ذو القعدة 1429   العدد  13198
لما هو آت
زاد الدوَّامة..!!
د. خيرية إبراهيم السقاف

بعض المقولات التي كانوا يرددونها على أسماعنا حين كنا صغاراً بقيت عوالمها في مخيلاتنا زمناً حتى جلسنا نتحدث بشأنها مع أنفسنا ومن ثم ذهبنا نتأمل فيما تركته في نفوسنا من أثر.., وفي سلوكنا من شكل.., أو ما شكلت في أذهاننا من قناعات.., أو رسمت لنا من خطوط.., فمقولة (من علمني حرفاً صرت له عبداً).., كانت تعني لنا أن العبودية لله وحده لكن معلمينا لهم حق الطاعة والتوقير، إن اجتمعنا بهم في مجلس فلهم الصدارة فيه.., ولهم البدء في الكلام ولنا الإصغاء في أدب.., فإن تحدثوا لا نقاطع حديثهم حتى يتموا، ولا نجادلهم وإن اختلفنا حتى يأذنوا لنا أن نبدي رأينا بهدوء ولطف.., حتى جاء لهذا الجيل من يقول له: إن في هذا مسخاً للشخصية وتعطيلاً للذهن وخنوعاً لا ما يبرره، فجادل فيما ترى، وناكب فيما تريد.., وتقدم عندما يكون الطريق لك.., فمعلمك آخذ أجرته على ما يقدم لك.., وكبر الكثير من صغار الجيل على فهم خاطئ للعلاقة بينهم وبين معلميهم حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يتطاول عليهم باليد فما بال باللسان..، ومنهم من يمثل قول الشاعر: (أعلمه الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده رماني)..، تجدهم يمرون بهم لا يلقون عليهم السلام وإن فعلوا يكون سلاماً فاتراً.., لا يتفقدونهم في وهنهم ولا يبرونهم عند حاجتهم.. مفرغين من الإحساس حتى بالواجب التلقائي بين المرء وأخيه.., يقول لي معلم بذل في مهنته عشرات السنين..., له من التلاميذ في كل واد يهيمون غروراً بأنفسهم.. فقد نالوا المراتب والمطالب، لاقى منهم بعضاً في مواقف حياته فأقبل عليهم فإذا هم يشيحون بأوجههم عنه في شح نفسي بالغ الأثر في نفسه: (تكتبين يا سيدتي عن الإنسان، هذه مقولتك، ولكن أين الإنسان مما قيل لنا عن المعلم في حياة تلامذته.. لقد كبرت وانحنى ظهري وكأنما عظم هذا الظهر قلمي الذي لم يعد يلحق بالسبورة، أعطيت عمري كله منذ معاهد المعلمين الأولى حتى لون الشيب رموشي.., وفي كل يوم أسمع اسم واحد من أبنائي الذين علمتهم قد ارتقى في الحياة كنت أشعر أنه جزء مني وإني ممتد بطول الوطن وعرضه، لكن مرضت فقصدت أحدهم طبيبا فتعذر بانتهاء وقت عيادته, قصدته في مشفاه فاعتذر لانشغاله بمرضى آخرين, حضرت مناسبة اجتماعية فوجدت بعضهم في الصدارة يحتفى بهم رأوني فتجاهلوني.., تحدثت فلم يعيروني آذانهم.., أدركت أنهم غدوا عبيداً للدنيا وشغلوا بها.. أهذا الإنسان يمكن أن يعود للإنسان فيه..؟ وهذه جملتك أيضاً سيدتي في مقال قديم لك.. هل تعذرين تطفلي عليك؟.. إنني الأب الذي فقد أبناءه.., أكلتهم الدنيا وألقت علي بعظامهم..).., هذا المعلم رمز لاسمه بأب المفقودين.., ذكرني بكثير من القيم التي دوَّمت بها أعاصير الحياة.. فمن ينقذ ما تبقى؟



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد