Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/11/2008 G Issue 13200
الثلاثاء 20 ذو القعدة 1429   العدد  13200
الحركة الثقافية ودورها الإيجابي في تأهيل المجتمعات!
رمضان جريدي العنزي

الثقافة هي مجموعة من القيم المادية والروحية التي ينتجها المجتمع وفق حركة تاريخية، والإنسان المثقف هو روح المجتمع وحامل قيمه ومالك التراكمات الفكرية وصاحب مشروع التحولات الاجتماعية والسياسية، لذا فإن المثقفين والمفكرين والفلاسفة والشعراء والفنانين والمنقبين في التراث الإنساني والتاريخي والسياسي والعاملين على التنوير والتطوير الحياتي تقترن أفعالهم في حياة الناس وتستوطن إبداعاتهم تفاصيل المجتمعات تركيبها ونموها بحيث لا يمكن الفصل بين إبداع هؤلاء المميزين من الناس وبين حركة وتقلبات المجتمع ككل، إن ما يحصل من تبدلات وتغيرات في السلوك الإنساني لأي مجتمع هو نتاج طبيعي لتأملات واستنباطات ذلك المثقف الواعي الذي يقرأ الكثير من الظواهر الاجتماعية والتاريخية والسياسية والاقتصادية ويقولبها وفق فكر فلسفي له هدف وروح متجدد كون المثقف جزءاً من حركة التاريخ الأساسية لأي مجتمع، إن حركة المجتمعات وصيرورته المعرفية والعلمية هو نتاج طبيعي لروح الثقافة والفلسفة الإبداعية لهؤلاء المثقفين، إن ثقافة المجتمع تعني حضارته وهي ظاهرة حية ونامية ومتجددة من خلال امتداد تاريخي طبيعي وهي عجلة دفع لتطور المجتمع وتأهيله وفق أبجديات ومسلمات لها معايير راسخة وشاملة وانعكاسية لعصارة المجتمع النفسية والفكرية والإنسانية، إن العلاقة بين المثقف والمجتمع لها امتداد طويل وعتيق بسبب الظروف السياسية الاستثنائية وتعقد الحياة الاجتماعية نتيجة شذوذ اقتصادية طارئة التي تجبر المجتمع بأن يمر بوتيرة متصاعدة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية والعلمية بشكل متلاحق عبر عقود تاريخية لها صفة الازدواجية في بعض الأحيان، إن الحياة الصحراوية وما أفرزته من قيم وتقاليد وعصبيات لها ملامح مجتمعي متجانس نمت وشبت على مر العقود والأزمنة الطويلة والمتلاحقة على نمط معين من الحياة والقوانين والتبعيات والولاءات والعادات والتقاليد المرسومة والمحددة، أخذت الآن من قبل بعض أفراد القبيلة منحنى يشبه القطيعة بسبب دور المثقف الواعي المتعلم الذي ولد ونما وترعرع في بيئته القبلية ومن ثم رصد سلبيات مجتمعه القبلي بعد دراسة ووعي محنك وإدراك سليم بوجوب مقت وإبعاد والتخلي عن بعض الجوانب السلبية والحفاظ على الإيجابيات والأفعال الإنسانية الأخرى، قس على ذلك المجتمعات البشرية الحرفية الأخرى التي مارست الزراعة والصناعة والتجارة والمهن المتنوعة الأخرى، إن الوعي الاجتماعي والتبدل من قبل بعض هذه المجتمعات يعتبر فعلاً هائلاً للمثقف فيه دور كبير ومهم في خلق هوية نفسية ونقلة نوعية ونمط فكري متميز وتشكيل ملامح اجتماعية جديدة بسبب الشحن الثقافي المتنوع ورفع روح هذه المجتمعات بقيم مادية وروحية وثقافية حتى خلقت منهم شخصيات اجتماعية واعية ومدركة ومثقفة ومنتجة رغم أصولها وجذورها الانتمائية الموغلة في القدم حتى أصبحت هذه الهيئات والطوائف الاجتماعية بأشكال جديدة ترمم نفسها وفق خطوط ورؤى قادرة على ابتكار الحياة وطقوس الواقع، لأنها وجدت أرضية مناسبة نتيجة الشحن الثقافي وتنوير المثقفين من أبنائها هيأ لهم التأمل والاسترخاء ومراجعة الذات مع تمتين الجسور مع الأصول القديمة ولكن بتأني وحذر وتحليل ركائز ومقومات هذه الأصول وذلك بقراءة الواقع الجديد وفق أشكال أدبية جديدة ونوعية تتلاءم مع الواقع الحاضر حتى لا تخلق ضبابية ثقافية وفصام نفسي، إن دور المثقف في تاريخ المجتمعات طويل وله روح تاريخية من التواصل والتعايش مع ما يدور حوله من تنوع معرفي واختراع علمي فكان دوره ولا يزال إيجابياً في آليات تثقيف المجتمعات وربطها بالمجتمعات الأخرى التي تتقدمه بالعلم وبالمعرفة والتطور والتمدن والتي يقف أمامها العقل البشري متأملاً ومنبهراً لانتصاراته العلمية العظيمة التي عمت الكون تقدماً وتطوراً وحضارة، إن المثقف بكل ألوانه وأدواته المعرفية وبصماته الفكرية ومدارسه الأدبية وصراعاته وأنماطه الإبداعية وطرق تفكيره حول المجتمعات بفعل عمل تراكمي متواصل من عصبيات قبلية وتطرف مذهبي وأنانية مفرطة في القوقعة على الذات والصعلكة في الشخصية وأنماط سلوكية وأمراض حروب وقسوة حتى نقلها وأجبرها إلى حتمية التعامل مع واقع الحياة الجديدة والعيش الجديد، إن حركة المثقفين القوية والمتتابعة صبراً وأملاً أنتجت في الأخير مجتمعات واعية غنت للحياة وصدحت بالعمل وحيت التغيير الهادف والبناء، إن هذه الأصوات المثقفة حقيقة شكلت روح المجتمعات الجديدة لأنها دخلت عليهم بوجه مكشوف وصوت واضح ومراد حسن وأعادت لهذه المجتمعات تفاؤلية الحياة وفق حركة طبيعية تصاعدية لها روح نقية خارجة من أتون صراعات تخلفية ظلامية شرسة ماضية ألفت، واستعاد المثقف هيبة المجتمع وأكسبه هوية جديدة ليسهم المجتمع من جديد في إعادة صياغة ملحمة البناء والعمل وحداثة الفعل بعيداً عن خارطة الغرباء وكارهي الحياة والطائفيين والشوفينيين والإيديولوجيين وذوي الأصوات المريضة، إن المثقفين صنعوا أجيالاً جديدة من المفكرين والمبدعين والأكادميين الذين ولدوا من رحم القبيلة والانتماء العائلي والإقليمي وتحولوا إلى مشاركين فعليين في بناء الأوطان وتعميرها بعد صراع مرير من عهود التخلف والاضطهاد وقسوة الحروب وشراسة الانتماء والتصنيف الطبقي والعرقي وحول هؤلاء المثقفين أبناء هذه المجتمعات إلى أدوات فاعلة ومشاعل هدى وسنابل قمح تلد ألف سنبلة وسنبلة فكراً وعملاً وإبداعاً وحركة وتأقلماً في المحيط وخارج المحيط وفي دائرة الكون كله.



ranazi@umc.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد