Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/11/2008 G Issue 13200
الثلاثاء 20 ذو القعدة 1429   العدد  13200
الحلقة الثانية
«الجزيرة» تخترق حاجز الصمت.. وتقرع الأجراس:
ضباط مكافحة المخدرات يكشفون بيئة الشر والحقد والانتقام

الجزيرة - سعود الشيباني

السموم القاتلة التي يروجها تجار الموت ليستدرجوا بها الشباب والمراهقين إلى ساحات الدمار لم تعد أضرارها عند الصحة والعقل والاقتصاد الوطني برغم أهمية كل منها وإنما تجاوزت ذلك لتصل إلى الشرف والفضيلة وتنال من كرامة الإنسان وبيئته وأسرته.. إذ اخترقت البيوت ووصل لهيبها إلى الأم.. والزوجة.. والأخت.. والابنة.. والابن.. وذلك بعدما سحقت الأخ والصديق بعجلات الإدمان أو اللاوعي والجنون وفقدان العقل والبصيرة.. بل فقدان الضمير.. والإنسانية.

إنها المخدرات.. من يدخل في عالمها بخطوة واحدة يصعب عليه الرجوع.. ومن يخطو في دربها خطوات يبحث عن رفيق وجد التيه والضلال.. ومن يدمن لا يمانع في أشياء كثيرة من أبرزها بيع الكرامة والشرف..!! وعرض الأخت والزوجة والابنة كل ذلك من أجل الحصول على هذه السموم المدمرة.. ولاسيما وان الملاحظ اليوم أن من يعمل في ترويج المخدرات والاتجار فيها لا يكون لديه ضمير يحاسبه وإنما هو ذو قلب متجرد من كل القيم الإنسانية حيث يصبح المال والحصول عليه أهم من حياة البشر.. وكل شيء يهون لديه في سبيل المال.. والكسب السريع.

إلحاقاً لما سبق نشره في الحلقة الماضية، نواصل ما بدأناه من سرد واقعي لبعض القصص عن عالم الإدمان والإتجار في المخدرات، وما يتصل بذلك من سلوكيات غريبة وعجيبة تطال أقارب وذوي المروِّجين والمدمنين .. وما يكتنف هذا العالم المجنون من مفارقات ما كانت لتحدث لولا هذه السموم القاتلة المدمِّرة التي تفقد من يدمنها العقل والصواب والضمير والإنسانية.

منحرفة تستغل الأيتام

ثمة قصص تقع في عالم المخدرات هي من الممارسات اللاإنسانية وبالتالي فهي تحتاج إلى أعصاب هادئة لقراءتها ولا يمكن تحملها بأعصاب رجل ينفعل ويتفاعل مع ما تحمله من قسوة وسوء قلّ أن يتحمّل سماعه أحد .. ولا أخفيكم أنني وأثناء عمل تحقيقي هذا مع ضباط مكافحة المخدرات بكيت أكثر من مرة ودمعت عيني مراراً، الأمر الذي آمنت معه بضرورة نشر بعض ما يمكن نشره من هذه القصص الدخيلة على مجتمعنا المسلم ..

لعلِّي هنا أبدأ بقصة .. (جيجي) تلك الفتاة التي كتبت على نفسها أن تقضي على حياتها ومستقبلها ورضيت بأن تعيش حياة بؤس وشقاء وذل ومهانة وأن تعيش بعيدة عن حياة الشرفاء، وأن تلغي اسمها ووجودها من سجلات الإنسانية، وارتضت أن تعيش في وحل المخدرات والفساد وتنغمس في هذا الواقع المرير ..

هذه الفتاة كانت تستخدم بيتها لبيع المتعة المحرمة وتخرج إلى الأسواق والمراكز التجارية وتصطاد المراهقين والطائشين من الشباب بإعطائهم أرقام جوالها، وعند اتصالهم تعرض عليهم المتعة المحرمة برفقة أختيها بعد تقديم المخدرات لهم .. ومن تدخله ضمن عصابتها ينغمس في المخدرات والإدمان والفساد بكل أنواعه .. توفي والداها بسبب إدمان أخيها وبدلاً من رعاية أختيها اليتيمتين أخذت تجلب لهما طالبي المتعة المحرمة وتعمل في ترويج المخدرات وتقديمها حتى وقعت في شر أعمالها، ودُوهِم منزلها وتم القبض على بعض المدمنين وعلى أختيها، وتمت إحالتهم إلى الجهات المختصة، ومنهم من أرسل إلى السجن ومنهم من أرسل إلى تلقي العلاج ومنهم من أودع مراكز الإصلاح .. وهكذا تكون نهاية تعاطي المخدرات وبئس النهاية.

وحْل السموم

تحتفظ سجلات المديرية العامة لمكافحة المخدرات بقصة أحد المروِّجين المشهورين وكان لديه أحد (الزبائن) المدمنين يأتيه بمن يشترون منه وهم الذين يسمّون بالعملاء أو المروِّجين الداخليين أو المسوِّقين، مقابل الحصول على كمية من المخدرات لنفسه وذات مرة قال له التاجر المروِّج .. لن أعطيك الهيروين إلا بمبلغ لأن هذه النوعية غالية ومصروف عليها مبالغ كبيرة، فعرض عليه المدمن أن يقدم له بنتاً جميلة يقضي معها ليلة (حمراء) مقابل أن يعطيه الكمية التي اعتاد أن يأخذها منه فوافق، واتفقا أن يزور التاجر منزل المدمن وحين حضوره إلى منزله لم يجد فتاة تنتظره بملابس الفتنة والابتسامة الخادعة والحركات المثيرة، إنما وجد امرأة محتشمة تبكي من أعماقها وتتوسّل إلى الرجل وتشتكي إليه من زوجها الخائن الذي يجبرها على المضاجعة المحرّمة من أجل المحرمات .. هنا تحركت ما تبقت لهذا المروِّج من نخوة ومروءة منعته من الاقتراب من تلك المرأة المحتشمة تحت إصرار زوجها واستغاثة (الضحية)، وذكر هذا المروِّج أنه بعد فترة من الزمن وجدها مع شاب ولديها أربعة أطفال وقالت له إن زوجها تم القبض عليه في جريمة مخدرات كبيرة وانه قبل ذلك كان يجبرها على مضاجعة أحد من الجنسيات الوافدة مقابل ما يوفرون له من الهيروين..!!، ترى هل كان هذا المدمن سيسمح بهذه النهاية لنفسه وزوجته وعرضه لو لم تضيع عقله المخدرات..؟؟

إدمان العجائز

قد يتوب الشاب ويرجع وقد يتم علاجه من الإدمان، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بشخص فوق الستين عاماً .. فماذا نتوقع وما تفسير هذه الحالة؟!

لقد كشفت ذات المصادر أنّ رجال المكافحة راقبوا امرأة عجوز تبلغ ما يفوق الستين من العمر علموا أنها تروِّج المخدرات، وعند التأكد من صحة المعلومات داهم رجال المكافحة منزلها فوجدوا أنّ كل من في البيت مدمنون على المخدرات .. ابنها وبناتها وزوجة ابنها ووالدة زوجة ابنها .. كلهم يرزحون تحت تأثير المخدرات .. وبعد أن تم التحقيق في حالتهم أحيلوا جميعاً للمستشفى للعلاج من الإدمان.

وإذا كان ضياع فتاة أو شاب في الأسرة بسبب المخدرات يمكن معه تصور أن يكون هناك جهود من قِبل أسرته لاحتوائهم وعودتهم من هذا الطريق الذي يقود لنفق مظلم .. فكيف سيكون الأمل قائماً مع أسرة كاملة بكل أفرادها وأقربائهم إذ حينذاك تكون المشكلة أكبر والمصيبة أعظم .. وهكذا دنيا السموم المدمرة (المخدرات) لا تترك شاباً ولا هرماً ما لم يعمل الناس حسابهم ويتقوا الشرور والأشرار.

المال الحرام لا بركة فيه والسلوكيات المحرمة تمحق الصحة والمال وتخطف النضرة من الوجوه وتنزع البركة من كل شيء .. فهؤلاء إخوة أشقاء ورثوا ثروة مقدارها أربعة ملايين ريال كانوا يسكنون في قصر يشار إليه بالبنان لكنهم انحرفوا إلى عالم المخدرات وإدمان الهيروين، وبعد سنتين فقط أصبحوا معدمين لا يملكون ثمن الأكل والشراب .. واضطروا إلى السكن في منزل مبني من الطين وفي حي مهجور .. لأنهم أضاعوا المال في هذه النبتة الخبيثة التي تأكل الصحة والمال كما تأكل النار الهشيم .. هكذا تكون حياة الإدمان إذ كثيراً ما ينتهي الفرد فيها إلى هامش الحياة حتى لو كان المدمن غنياً أو نجماً شهيراً فلا بد أن تكون نهايته محزنة ومأساوية.

الصورة قاتمة ومؤلمة في آن واحد حينما نقلِّب هذه الصفحات الكالحة السواد .. هناك حقيقة مهمة لا بد من ذكرها على الرغم من أن غالبية القرّاء من أبناء هذا البلد يدركونها جيداً بحكم العادات والتقاليد وخصوصية مجتمعنا بفضل الله تعالى، ألا وهي حرص رجال المديرية العامة لمكافحة المخدرات على عدم مداهمة المنازل، بل يحاولون تفادي الاقتحام إلاّ إذا أكدت المعلومات الدقيقة وجود مخدرات ومروِّجين بداخله، وحينئذ يحرصون بعد أخذ إذن الاقتحام من الجهات المسؤولة والمخولة بذلك .. يحرصون على أن ترافقهم نساء يقمن بعملية التفتيش لغرف النساء، ومن ثم عزلهم بالمنزل والتصدي لما يتعلّق بالمرأة، حيث تتجرأ بعض النساء في بعض منازل المروِّجين على إحدث ضجيج وصياح وأحياناً التمثيل بأنها أغمي عليها وغير ذلك من الحركات المفتعلة للفت انتباه رجال المكافحة عن كميات المخدرات المخبأة بالمنزل .. وعادة قد يستدعي الأمر وجود الهلال الأحمر في مثل هذه الحالات ومتابعة الحالة للتأكد من حقيقة ما جرى، بمعنى هل هنالك فعلاً إغماء إذ قد لا تستطيع كثير من الأسر تحمُّل مشهد القبض على أحد من أفراد الأسرة وخاصة والدهم، أم أنّ الأمر مجرّد تمثيل ومحاولة تشويش؟!

ومن الصور القاتمة جداً في سجلات المكافحة أنّ رجلاً لديه سبع بنات قد سقط في هذا المستنقع وأدمن بصورة مزرية .. حتى بدأ تقديم أجساد بناته جميعاً من أجل الحصول على ثمن الهيروين، وكان قد تم إدخاله في بداية الأمر إلى المستشفى للعلاج من الإدمان، وكانت إحدى الجمعيات الخيرية تصرف على زوجته وبناته، لكنه عندما يخرج من المستشفى كان يسرق حليب الأطفال من بيته ويبيعه لكي يحصل على ثمن المخدرات، ثم أخذ يسرق بعض المقتنيات والأثاث من البيت .. حتى مراوح التبريد ظل يخلعها واحدة تلو الأخرى ويعرضها في الحراج استجابة لداعي الإدمان، ثم تمادى في بيع الأشياء وامتدت يده بالبيع حتى وصلت فلذات أكباده وشرفه فاسترخصه في سبيل الحصول على السم القاتل.

تحرّش من أجل الإدمان؟!

... هذه فتاة أبلغت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، أنّ والدها يتحرش بها جنسياً تحت تأثير المخدرات، وعندما تم القبض عليه وتم الكشف على دمه اتضح انه من المدمنين الخطيرين فأرسل إلى المستشفى لتلقي العلاج من الإدمان الذي أوصله إلى حد الاعتداء جنسياً على ابنته ..

- ومن السلوكيات الناتجة عن الإدمان التحرُّش بالأهل والسرقة والكذب، ومن أمثلة ذلك أنّ أسرة كانت قد اعتادت السفر إلى الخارج في الإجازات وكانوا في كل مرة يفقدون شيئاً من مقتنيات المنزل .. تارة مبالغ مالية وأخرى مصوغات ذهبية، وإلى غير ذلك، وبعد تكرار العملية ومع الرصد اتضح أن ابنهم مدمن مخدرات تعلمها خلال الاختلاط بالأجانب وأنه يسرق تلك الأشياء ويقوم ببيعها لكي يحصل على ثمن المخدرات، وتم القبض عليه وإدخاله مستشفى للعلاج من الإدمان.

ليس في عالم الإدمان رحمة ولا أي اعتبار لأخ أو أخت أو غير ذلك .. فهذا شاب عمره (18) عاماً وشقيقه الأصغر مراهق عمره (13) عاماً، وكان الشاب الأكبر من مدمني الهيروين، وحيث كانا يسكنان في غرفة واحدة وينامان على سريرين متجاورين، فقد كان الأخ الأكبر يخاف أن يكتشف أخوه المراهق بأنه يتعاطى المخدرات ويقوم بالإبلاغ عنه لدى أهله، فلم يكن منه إلا السعي إلى استدراج شقيقه والإيقاع به في عالم الإدمان حماية لنفسه من الفضيحة ...

أرأيتم هذا العالم الغريب العجيب الذي تنتهي فيه كل الأخلاق والقيم وحتى العواطف ومشاعر الأخوة والحنان .. كله يذهب ثمناً لضياع العقل والوعي وتذهب معه الصحة والعافية .. إذ يفقد الإنسان كل ذلك ويفقد أعز الناس إليه من أجل حفنة من دمار.

- وفي المقابل لا يخلو هذا العالم .. عالم السموم القاتلة من بعض من يستيقظ ضميرهم وتصحو نفوسهم ولو بعد العلاج من الإدمان .. فهذا أحد المدمنين الذي تم علاجه عدة مرات من الإدمان وعاد إليه، وقد أحس رجال المكافحة وأطباء العلاج فيه خيراً فحرصوا على علاجه رغم تردده على المستشفى وأراد الله له الشفاء، حيث ندم على ما قام به وعلى سلوكه درب الإدمان، وعندما رزقه الله مولوداً أسماه باسم أحد ضباط المكافحة الذين كانوا يتابعون حالته، تقديراً لجهود رجال مكافحة المخدرات وحرصهم على تجنيب أفراد المجتمع مخاطر هذه السموم القاتلة.

ابتزاز رخيص

دنيا المخدرات هي دنيا الضياع والأنانية وحب النفس والانتقام والابتزاز الرخيص .. ومن تلك القصص مدمن كان على علاقة جيدة بمروِّج كبير مطلوب لمديرية مكافحة المخدرات، فطلب رجال المكافحة منه التعاون معهم من أجل القبض على المروِّج الخطير فرفض بحجة وجود قرابة بينهما ولا يمكن أن يقوم بهذا الدور .. حينئذ تركوا المدمن ومرت الأيام وبجهود رجال مكافحة المخدرات تم القبض على المروِّج الكبير في قضية خطيرة، وعثر في جواله على صور إباحية لزوجة المدمن الذي رفض التعاون معهم، إذ كان يحتفظ بالصورة لديه في ذاكرة هاتفه الجوال ليبتز بها زوجة المدمن، وتم ذلك بحضور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتم إتلاف الصور الخليعة وإيقاف المرأة المتهمة، وأعلنت المرأة توبتها النصوحة وأخذ منها تعهد بذلك .. وكانت هذه إحدى صور الابتزاز الرخيص الذي يقوم به بعض تجار المخدرات ضد زبائنهم المدمنين.

- هنالك حادثة أخرى بطلها ابن رجل أعمال كبير مدمن عمره (26) عاماً كان على موعد مع المروِّج ليعطيه الهيروين في محطة بترول على أحد الطرق الدولية لسفره مع أهله، حيث كانت أخت الشاب برفقته في السيارة حينما توقف لاستلام المخدرات .. فرآها المروِّج الوافد، ثم بدأ فيما بعد يساوم الشاب المدمن بأخته كلما طلب منه مزيداً من الهيروين، إذ كان يطلب في بداية الأمر أن يشاهدها فقط ولو مشاهدة واحدة فقط، وعندما اشتدت حاجة الشاب للهيروين اتصل بالمروِّج فطلب رؤية أخته أولاً فوافق الشاب على أن يأتي لمنزله، وعندما حضر المروِّج إلى منزل الشاب طلب من أخته أن تأتي ليراها المروِّج ثم طلب المروِّج الوافد أن يضاجعها، فلما رفض الشاب ذلك في المرة التالية وضع له المروِّج تراب المكيف الناعم في المخدر فأدخله في غيبوبة لمدة أسبوعين .. بعدها فاق الشاب وأبلغ الجهات الأمنية وتم القبض على المروِّج وحوكم وأدخل الشاب مستشفى للعلاج من الإدمان.

أُسرة منكوبة

سرطان المخدرات إذا استشرى ليس لديه حد يقف عنده، لأنه وبكل وضوح عالم يفتقد كل القيم ويفتقر لأبسط القواعد والضوابط، فهو يدمر الأسر وينكبها ويهلك البيوت المستقرة وينسفها .. فهذه قصة امرأة سعودية أرملة توفي زوجها وترك لها أربعة أبناء أحدهم فوق الثلاثين والبقية في العشرينات من العمر، كلهم سقطوا في وحل الإدمان أصيب أحدهم بفشل كلوي وقفت الأم المكلومة والمسكينة بجانبهم وتبرعت لابنها المصاب بالفشل الكلوي بكليتها، وبعد إجراء العملية له توفي بعد فترة قصيرة .. وهكذا تموت مع ابنها حسرة وكمداً بالرغم من أنها على قيد الحياة .. فهل يقدر الأبناء - وهم من كان ينبغي أن يعولوا أمهم وأسرتهم - ما جلبوه لوالدتهم، أم سيكون ذلك بعد أن يفتقدوها ولات ساعة مندم؟!!.

***

للاستفسار من المديرية العامة لمكافحة المخدرات إدارة الشؤون الوقائية هاتف العمليات (995)

هاتف وفاكس: 014614226

إدارة البرامج الإلكترونية هاتف: 014629393 تحويلة 241

جوال 050525983




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد