Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/11/2008 G Issue 13200
الثلاثاء 20 ذو القعدة 1429   العدد  13200
الأضرار في ارتفاع الأدوار
محمد حمد البشيت

درجت في جدة (موضة) جديدة وجميلة في إقامة العمائر الشاهقة الارتفاع وفق طراز هندسي حسن الأداء والإبداع، لإضافة هالة من الفن المعماري الحضري الجميل على معالم مدينة جدة. فالعمائر ذات الارتفاع العالي، والانتفاع الغالي الثمن، شكلت طوقاً كالأسورة الذهبية الجميلة في معصم غادة حسناء زاهية الجمال، محيطة بشوارعها ومداخلها الرئيسة ذات مناظر جمالية أخاذة.

وهذا يبعث على الارتياح النفسي، للذوق والرقي الجمالي التي تتحلى به مدينة جدة، كمنطقة بحرية تجارية، بميناءيها البحري والجوي، كمحطة عبور، لمكة المكرمة والمدينة المنورة، في مواسم الحاج والعمرة، ويقصدها الكثير من التجار والسائحين الذين خلقوا رغبة في التجارة العقارية بها مما أنعش الحركة التجارية في كل شيء.

فمن الشيء المعتاد والمتعارف عليه أن تكون مثل هذه العمائر الفارهة على امتداد الشوارع الرئيسة، وليس داخل الأحياء السكنية والمخصصة للفيلات والقصور السكنية، التي أنفق عليها الأهالي من الملاك جل ما يملكونه من الأموال التي ادخروها لكي ينعموا في مساكن تليق بهم وأكثر هدوءاً وراحة، بعيدة عن الضوضاء و(المكاشفة) فيما تحدثه هذه العمائر للجيران المحيطين بها من أضرار ناجمة.

فمثل هذه (الموجة) الزاحفة على (الدور) ذات الارتفاع المتوسط للفيلات والقصور التي لا يزيد ارتفاعها عن دورين ونصف الدور، خلق نوعاً من الاستياء والتذمر معاً، من إقامة مثل هذه العمائر في وسط أحيائهم السكنية، والتي شبهها البعض ب(الديناصور) الذي ابتلع جماليات هذه الفيلات والقصور، وأفسد عليهم متعة الارتياح في (حدائقهم) و(مسابحهم) التي أصبحت مكشوفة وعلى مرمى حجر لهذه (العمائر)، رغم إقامة الستائر المعدنية لكي تقيهم من عملية كشفهم، وقد أصبحوا رهين (المحبسين) ما بين السواتر والعمائر، فلا السواتر وقتهم صد النظرات عنهم، ولا هم الذين استمتعوا بالهواء النقي، نتيجة العمائر المرتفعة العلو.

هذه الظاهرة المعمارية (المخيفة) التي بدأت تتسلل للأحياء السكنية الراقية بجدة، أخافت البعض من الموسرين الذين كلما كانت بجانب أحدهم فيلا قديمة نوعاً ما سارع بشرائها حتى لا تقام عليها عمارة تكشفه وتزيد من معاناة السكان وتبدد عليهم جمال حيهم السكني ذي البناء الموحد وطابعه الجمالي.

فمن يا ترى يبدد خوف ملاك هذه (الدور) السكنية الجميلة داخل الأحياء الراقية؟! أليس هي (أمانة بلدية جدة) القادرة على وقف مثل هذه (التصاريح) في منع إقامة مثل هذه العمائر الشاهقة الارتفاع التي تجاوزت على ستة أدوار و(روف) داخل الأحياء السكنية؟ نعم نحن لا نعترض على إقامة مثل هذه العمائر العالية، ولكن ليس هذا بمكانها، فمكانها مثلما هو مشاهد على مداخل المدينة والشوارع والبحر الذي تجاوزت عمائره على الثلاثة وأربعين دوراً، ولكن كل ما يهمنا هو عدم (تشويه) جمال هذه الأحياء السكنية الراقية.

إن (الجداويين) فخورون في مدينهم جدة، بزينتها وبهائها وبلقبها (عروس البحر الأحمر)، فلماذا نشوه وجه العروس، في ثمة أشياء لو تم تعدادها لما أحصيناها. ولكن الشيء الأهم هي تلك (الهوجة) الهائجة في الركض وراء التكسب السريع في البحث عن (الفيلات) القديمة داخل الأحياء وإقامة عمائر عليها تسد الهواء، ولا تكفي واحدة للحد من الشبع والارتواء ما بين المالك والمقاول اللذين لا تهمهما وضعية الحي ولا ضياع السكان، والذين يفكر البعض منهم في هجر دورهم لأماكن لا تطالهم مثل هذه العمائر التي أشبه (بالكارثة) التي حلت بهم!

جدة عروس البحر الأحمر، بشاطئها الجميل الممتد من الميناء، لشرم أبحر، وبما يحتويه الشاطئ من الأماكن السياحية، بفنادقه الرائعة ومنتزهاته الجميلة المحاذية للبحر، وإذا كان هناك كلمة حق يجب أن تذكر فإن (الأمانة البلدية) أبدعت في أعمالها ومجسماتها الهندسية التي جملت الشاطئ بها وأصبحت أكثر جمالاً بعيون السياح الذين يفدون للبحر ويجدون راحتهم في نظافة وسعة المكان وحسن التشكيلات الهندسية للأرصفة في كراسيها الخشبية الجميلة التي يتخذها مرتادو الشاطئ للجلوس عليها، إضافة للاعتناء بالإضاءة والتشجير الرائع!

جدة، بسوقي قابل والندى وأحيائها الداخلية والمحيطة بها ذات العمائر والبيوت القديمة المفعمة بعبق التاريخ الحجازي، ذات (الرواشين) المرصعة بالخشب النادر والزخرفة الجميلة التي مهما تعرضت للملوحة البحرية لا يمكن أن يتغير لونها وزخرفها الفني الذي يسر الناظرين، مع تبيان الفارق الشاسع في العمارة المتخذة قديماً في تلاصق الدور لبعضها وعبر (أزقة) ضيقة ومتعرجة، أبقى البعض من شوارعها وممراتها المرصوفة الأرضية الموغلة بالقدم مثلما هي أحياء دمشق وتونس والمغرب القديمة التي تمتاز بالمتانة والقوة.

جدة، بعاداتها الحجازية القديمة و(اللهجة الحجازية المحببة للنفس، لا زالت نابضة الروح في أكلاتهم الشعبية، وتقاليدهم الموروثة كابراً عن كابر، مثل (العمة) و(الصدرية) و(المركاز) والتحلق حول المركاز في الأحياء القديمة وتناول الشاي المغربي وقت الأصيل، وهي عادات لا تقل عن مثيلاتها عندنا في (نجد) بالمأكولات الشعبية. ومجالس (شيباننا) القدماء في (المشراق) شمس الضحى، حينما يكون الوقت شتاءً للسوالف وتزجية الوقت في الترويح عن النفس فيما بينهم، وفي الصيف داخل البيوت حيث (الشبه) يعني السهرة عند أحدهم، وهي عادة ما زال معمولاً بها، إلا أن الوقت تغير وأصبحت بدل البيوت (الاستراحات).

جدة، محتضنة البحر، وحاضنة الفن المعماري الحضري، وبوابة الحرمين الشريفين، وعروس البحر الأحمر، والمركز التجاري المهم لرجال المال والأعمال، وبميناءيها البحري والجوي، وبفنها الراقي الأصيل، وبموروثها وتراثها، وانفتاحها بوصلها واتصالها تذكرني بمدينة (الإسكندرية) المدينة المماثلة لبحرها لا سيما والاثنتان تقعان على ساحل البحر الأحمر.

فمثل هذه المدينة البحرية الرائعة والذائعة الصيت، أليس من حقها الاحتفاظ بطبعها وطبيعتها، والمحافظة على رونقها ورواقها، رونقها كمدينة بحرية هادئة ترفل بأنعم بحرها الزاخر، وتتكئ على كتف مينائها التجاري المحوري في الاتصال بالعالم، وتعيش في كنف حركة تجارية لا مثيل لها، ورواقها يعني سياجها، من العمائر الجميلة الفاخرة التي تكون حوالي المدينة وشوارعها الرئيسة، والتي يجب عدم دخولها للأحياء السكنية الراقية ذات الفيلات والقصور الرائعة، فمهما كانت الأعذار والمبررات من المالك والمقاول، فقد بدر من سكان الأحياء الامتعاض والاعتراض، ولكن ليس هناك آذان صاغية لما هو متداول من تذمر واستياء من مثل هذه العمائر التي أفسدت المتعة والراحة في الأحياء السكنية الراقية!!

جدة : فاكس 026982218





 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد