Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/11/2008 G Issue 13202
الخميس 22 ذو القعدة 1429   العدد  13202

إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف *

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

زوج مدمن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب لك بمعاناة لا تخصني أنا بل تخص أعز إنسانة على قلبي وهي أختي التي تزوجت من حوالي 6 سنوات ولها الآن من زوجها طفلان ولد وبنت.

المشكلة في زوجها الذي بالرغم مما أنعم الله عليه من استقرار مادي وكذلك اجتماعي إلا أنه مبتلى بتعاطي المخدرات من شراب وحشيش وحبوب كما ذكرت لي رغم أنها في البداية لم تكن تعترف بذلك، لكن مع زيادة المشاكل وسلوكيات زوجها الغريبة معها وحتى مع أولاده اضطرت لإخبارنا بحقيقته, المشكلة أنه يشك فيها بطريقة غريبة جداً رغم أنها وأقسم على ذلك متدينة ومحترمة جداً ومع ذلك عندما تزورنا في البيت يكرر الاتصال بها أحياناً أكثر من عشرين مرة فقط ليتأكد أنها موجودة عندنا, حتى والدي وهو بالمناسبة مؤذن مسجد كان ينتقد كثيراً من تصرفاته وعندما واجهه بعد مشكلة كبيرة حصلت بينه وبين أختي بحاجته للعلاج أقسم أنه لن يكرر ما فعله وهو نفس الشيء الذي يفعله مع أختي حيث يعدها دائماً بأنه سيتوب ويتوقف عن استخدام هذه المصائب لكنها تكتشف كذبه وتزييف كلامه.

أرجو أن يتسع صدرك لقراءة هذه المعاناة وسؤالي: هل هناك أمل في وجود علاج حقيقي وشفاء كامل من هذه الحالة؟.. علماً أن أختي باقية معه بالدرجة الأولى من أجل أولادها فقط.. ولك منا الدعاء بالأجر والتوفيق دكتورنا العزيز.

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أختي الكريمة لا شك عندي أن ما تتحدثين عنه هو معاناة حقيقية تعيشها أختك -أعانها الله- فنحن هنا لا نتعامل مع سلوكيات مؤقتة صادرة نتيجة اضطراب حاد أو تقلُّب في المزاج بل حالة مزمنة من تعاطي المواد المحظورة يُطلق عليها طبياً اسم Substance Dependence أو الاعتمادية على المواد المخدرة حيث يسقط الشخص شيئاً فشيئاً من مجرد الاستخدام المتقطع لهذه المواد من فترة لأخرى إلى الاعتماد الكامل عليها مع ما تسببه من اضطرابات سلوكية وأعراض مرضية شائعة منها الشك في من حوله بمن فيهم أقرب الناس إليه كزوجته.

في العادة عندما يصل الشخص إلى هذه المرحلة فإنه لا يكون مدركاً أو واعياً تماماً لحجم المشكلة التي يواجهها وهذه إحدى آليات الدفاع النفسي الشائعة جداً لدى المدمنين حيث يحاول المدمن التقليل من حجم المشكلة أو حتى إنكارها أو إنكار خطورتها وصعوبة التخلص منها Minimization or Denial وهو ما يفسر الوعود المتكررة بالتوقف التي لا تنتهي إلى واقع ملموس لأنها غير مبنية على إدراك واعتراف حقيقي بحجم خطورة ومضاعفات مشكلة الإدمان.

والواقع أن المدمن يمكن تشبيهه بمن يقف فوق الرمال المتحركة حيث يشعر في البداية أنه قادر على الخروج من هذه الرمال بسهولة وفي أي وقت شاء لكنه ينزلق شيئاً فشيئاً ويبدأ بفقد التحكم حتى تشل هذه الرمال قدرته على الحركة في مرحلة لاحقة وتصبح هي المسيطرة عليه بعد أن كان هو صاحب السيطرة ابتداء، لذلك ينتشر في أوساط المدمنين المثل العامي: (أوله دلع وآخره ولع).

لهذا فلا بديل عن الرغبة الداخلية الصادقة في التوقف عن التعاطي مع وجود إرادة قوية واستعداد للصبر على الأعراض الانسحابية الجسدية والنفسية المتوقعة في هذه المرحلة, وهو الأمر الذي يستدعي في الكثير من الحالات التنويم في مراكز متخصصة لذلك كمستشفيات الأمل لدينا في مناطق الرياض وجدة والمنطقة الشرقية.

لذلك أرى أن زوج أختك في حال كان جاداً فعلاً في التخلص من هذا الداء -حمانا الله وجميع المسلمين والمسلمات منه- فعليه أن يظهر ذلك عملياً من خلال التوجه إلى هذه المراكز خصوصاً مع ضمان السرية التامة هناك حيث تتعاون -كما أعلم- هذه المراكز مع بعض المستشفيات الحكومية العامة الأخرى بحيث يتم إصدار تقارير التنويم والإجازات المرضية منها ضماناً للمزيد من الخصوصية والسرية.

أما بالنسبة لسؤالك عن احتمالية الشفاء التام من الإدمان فقد أوضحت الكثير من الدراسات في هذا الجانب أن العامل الأهم في ذلك هو وجود الرغبة الجادة والإرادة الداخلية لدى المتعاطي لتحمُّل كامل المسؤولية والتعاون خلال كل فترات البرنامج العلاجي حيث تظهر الإحصائيات أن الأشخاص الذين يلتزمون بعد خروجهم من المستشفى بتطبيق ما يُسمى ببرنامج إعادة التأهيل Rehabilitation Program والانخراط في مجموعات الدعم الذاتي (وهي مجموعات تساند بعضها البعض لمواصلة الامتناع عن التعاطي) يمتازون في الغالب بأنهم قد طلبوا العلاج بأنفسهم دون وجود ضغوط خارجية عليهم, ولذلك فهؤلاء أيضاً هم من يسجل النسبة الأعلى في التعافي الكامل -بإذن الله- من استخدام المواد المخدرة.

وفي المقابل فإن غياب الدافعية الذاتية تجعل الأشخاص من هذا النوع يعودون عادة إلى التعاطي من جديد بعد خروجهم من المستشفى وعودتهم إلى نفس مجموعة الأصدقاء الذين اعتادوا على تناول هذه المواد معهم.

وللأسف الشديد فإن هذا النوع يمثل الشريحة الأكبر من المتعاطين ولذلك فإن معدلات الانتكاس (أي العودة إلى التعاطي من جديد) عند المدمنين بشكل عام لا تزال مرتفعة جداً.

أسأل الله أن يحفظني وإياكم وديار المسلمين من هذه السموم.

إضاءة:

ومن يهاب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر

دكتوراه في الطب النفسي

كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض

e-mail:mohd829@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد