Al Jazirah NewsPaper Friday  21/11/2008 G Issue 13203
الجمعة 23 ذو القعدة 1429   العدد  13203
الحج والمساواة
م. عبدالعزيز بن عبدالله حنفي *

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

بهذه التلبية الروحانية تتدفق الجموع المؤمنة من كافة أرجاء العالم قاصدة بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج بهيئة واحدة ولباس واحد تبتغي رضوان الله عز وجل تلبية للدعوة الإلهية على لسان نبي الله الخليل إبراهيم عليه السلام قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، لا يتميز فيهم حاكم عن محكوم ولا ثري عن فقير، كلهم عند الله سواء، ولا هدف لهم إلا الرجوع من نسكهم بحج مبرور وذنب مغفور، أتقياء أنقياء كيوم ولدتهم أمهاتهم يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح، وهي الصورة التي وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس، وتضم أجمل معاني الحقوق الإنسانية عندما قال وهو في صعيد عرفات: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)، وقال عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم المشهود الذي يحق للإنسانية جمعاء أن تتفاخر به وتزهو بفضله (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتفاخرها بالأحساب، والناس مؤمن تقي أو كافر شقي، كلكم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم).

إذن بالتقوى تتحقق المفاضلة وليس بشيء آخر، ولا تنال التقوى إلا بتغليب أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم على حظوظ النفس وملذات الدنيا وشهواتها، وأن يكون مراد الله عز وجل هو المقدم على مراد الإنسان، لذلك فإن الدين الإسلامي بتعاليمه وواجباته وأركانه - ومنها الحج - يحقق معنى الإنسانية وكرامة الإنسان، وهناك الكثيرون ممن هداهم الله للإسلام وكان سبب هدايتهم مشاهدة المسلمين في موسم الحج بكافة شرائحهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهم في مكان واحد وبلباس واحد وخضوع -لله وحده- وتواضع للناس فأيقنوا أن الإسلام دين من عند الله عز وجل وأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مرسل من الله لأنه لا أحد من البشر يستطيع أن يحقق هذه الوحدة والتآلف والتراحم والتواضع لهذه الملايين من الناس إلا أن يكون مرسلاً من عند الله وأن الإسلام ليس بالصورة القاتمة الغربية التي يصورها الإعلام الغربي عن الإسلام ووحشية المسلمين.

ومع وجود العديد من النظريات الوضعية التي حاولت بالقهر والقوة أن تزيل الطبقات بين أبناء الشعب وتحقيق المساواة من وجهة نظرهم بمسميات مختلفة منها الديمقراطية الغربية والاشتراكية، وقد تمكنت في فترة من الفترات الحصول على سلطة الحكم كما حدث للنظرية الشيوعية إلا أنها باءت بالفشل، لأن المساواة لا تعني هضم الحقوق ومصادرة الممتلكات ومصادمة الفطرة الإنسانية في حب التملك وإزالة الأخلاق والقيم من العقول والنفوس كما فعلت الشيوعية وغيرها من المحاولات البشرية الوضعية وانبهر بها بعض السذج إلا أنها إنهارت وبان عوارها وأصبحت في صفحات التاريخ، بل المساواة كما أمر بها الإسلام هي في الدين والتقوى والخلق الصالح وتحريم استباحة الدماء والأموال والأعراض والبعد عن التصنيف العرقي والتمييز العنصري التي أبطلها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهذا يؤكد أنه لا يصلح أمر البشر إلا رب البشر، فالحج عبادة ومساواة بين الجميع والتميز يكون بالتقوى والعمل الصالح قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

والله الموفق

*رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد