Al Jazirah NewsPaper Friday  21/11/2008 G Issue 13203
الجمعة 23 ذو القعدة 1429   العدد  13203
حولها ندندن
من وحي الألم
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

هل هناك ما هو أهم من نعمة الصحة؟ بالتأكيد لا، لأن المعافاة النفسية والجسدية هما الجناحان اللذان يحلق بهما الإنسان إلى مبتغاه إن إيجاباً أو سلباً، كلّ حسب نواياه وأهدافه، محققاً النتائج التي يُحكم بها عليه حياً وميتاً في دنياه وأخراه.

والنعم الربانية العديدة لا يثمّنها الإنسان. ذلك المخلوق الجحود. إلا حينما يفقدها، سواء كان فقداً دائماً أو حتى مؤقتاً، وقد ابتليتُ. ولله الحمد والمنة. مؤخراً بوعكة اضطرتني للحرمان مؤقتاً من نعمة العافية وبالتالي من ممارسة الهوايات المتعددة وفي مقدمتها معشوقتي الكتابة.

وإن كان لكل شيء جوانبه الإيجابية مهما كان مراً مرارة العلقم، فإن الألم الجسدي تخف وطأته بل يتلاشى أحياناً أخرى إذا مسه بلسم الود من المحبين الصادقين في الله تعالى، وأخص هنا المتابعين والمتابعات لهذه الزاوية، وفي مقدمتهم بعض الزملاء والزميلات في صحيفة (الجزيرة) العزيزة، وكذلك القارئات والقراء الأكرمين الذين وردني تواصلهم واستفساراتهم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.

كما دعتني هذه الأزمة العابرة والأزمات عادة ما تدعو الحصيف للتدبر والتأمل إلى تذكر الدعاء الحكيم المأثور القائل: (اللهم ارزقنا صحة لا تطغينا) فكم من إنسان كان رصيده الأوحد أو الأكبر نعمة العافية ومع ذلك اتبع هواجس النفس ووساوسها لإرواء عطش النفس أو نهم الجسد من نهر الخطيئة أو الشهرة البارقة الآثمة.

فكانت العافية عوناً لأمثال هؤلاء على الطغيان وارتكاب الآثام، والأدهى إذا كان هذا الأمر دعوة من انحصار الذنب في الذاتية الفردية إلى شيوعه نحو الغيرية الجماعية، والبصائر مطموسة عن رؤية الحق، فينتشر الفساد في الأرض وهم يوهمون أنفسهم وبالتالي غيرهم أنهم إنما يصلحون.

إن نعمة الصحة هي الوقود الذي يدير عجلة الجسد الذي سيُسال صاحبه يوم الدين فيمَ أبلاه فاجعلها قوة تحركك نحو البناء لا الهدم، وتقديم المصلحة العامة والدائمة على المصالح الخاصة والمؤقتة، وفكر فيما يقال وليس. فقط. فيما ستقول، إن كثيراً من مشاهير التاريخ تراجعوا بكل شجاعة عن أخطائهم التي تخالف الحق، قبل أن يرميها التاريخ في نفاياته. فاللهم تفضل علينا - جميعاً- بعافية الروح والنفس والبدن، واجعلها عوناً لنا على حسن خلافتك وعمار أرضك والإحسان لعبيدك وإمائك، ولا تجعلنا ممن قلت عنهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}.



g-al-alshaikh12@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9701 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد