Al Jazirah NewsPaper Friday  21/11/2008 G Issue 13203
الجمعة 23 ذو القعدة 1429   العدد  13203

نبض المداد
السعادة والتقى
أحمد بن محمد الجردان

 

النفس البشرية جبلت على الخير وفطرت عليه غير أنها تتعرض إلى تشكيل وتكييف يحكمه عدة عوامل منها: التربية والقدوة والتي غالبا ما يكون للوالدين فيها أكبر الأثر، ومنها الصحبة والخلة ولا يغيب عنها قوله -صلى الله عليه وسلم- (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) غير أن لهذه العوامل وغيرها دور في اتباع النفس هواها وهو اتباع قد يصل إلى درجة اتخاذه إلها من دون الله جل وعلا، وهي درجة ما أن يصل إليها الإنسان - لا قدر الله - إلا وتجده لا يأتمر إلا بهوى نفسه ولو خالف نهي الله ولا ينتهي إلا بنهيها ولو خالف أمر الله!!،

ومن عجائب هوى النفس ما ذكره عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن كان رجلا في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول.. وهوى النفس يقف حاجزا عن طاعة الله مانعا منها فهو لا يهدي إلا إلى الضلال والفسوق والعصيان ومقارفة الذنوب، قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فصاحب هوى النفس ضال عن سبيل الله مقيد بقيود هواه ذلكم الهوى الذي يقعده عن الطاعة ويدعوه إلى مفارقة صلاة الجمعة والجماعة ويغلب لديه الرجاء على الخوف بحيث يكون شعاره في مواطن المعاصي أن (أفعل ولا حرج إن الله غفور رحيم) وينسى في غمرة نشوة ذلك الهوى أن الله أيضا شديد العقاب!! كما أن هوى النفس يذهب أثر الطاعات وثمراتها ويجعلها معاصي، فلو صلى مصل بصلاة خاشعة حين يعلم أن ذوي الشأن والوجاهة يرونه ليقولوا عنه خاشع لصارت صلاته رياء ومعصية، وكذلك لو تحدث متحدث في المجالس من منطلق هوى في نفسه سعيا للصدارة والرياسة عن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لكان مرائيا ولو أشار إلى وقوع أشخاص بأعينهم في منكر (ما) إما تصريحا بأسمائهم أو تلميحا لعصى الله وأسخطه بهذا الهتك لأسرار الناس ولسقط من أعينهم!!

لذا المؤمنون والمؤمنات لا يحول هوى النفس دون اتباعهم للحق، بل من صفاتهم أنهم يسلمون تسليما بما أمر به الله جل وعلا وما أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم- ولو خالف أهواءهم وحظوظ نفوسهم، فطاعة الله وطاعة رسوله مقدمة على حظوظ النفس، وهنا يكمن التقى وتتجلى السعادة ولا غرابة فصدق من قال:

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقي هو السعيد

amaljardan@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد