Al Jazirah NewsPaper Friday  21/11/2008 G Issue 13203
الجمعة 23 ذو القعدة 1429   العدد  13203
ملك وحوار وبشرى
علي أحمد المضواح

المبادرة الكريمة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - والرامية إلى لم شمل هذا العالم الذي مزقته التناحرات، ونخرت في جسده حتى أضحى متهالكاً يعيش عيشة الغاب التي لا يجد الضعيف له فيها مستقراً ولا أمناً.. هذه المبادرة بحجمها وشموليتها ورؤيتها الاستراتيجية تبحث عن بناء أجيال تحيا السلام حياة حقة لا حياة سماع فقط، حين تكون من كبير ولكبير فهي تأخذ صفة العظمة والأهمية، بالإضافة إلى وقتها الحرج الخانق وحاجة العالم بأسره إليها.

وحين تأتي هذه الدعوة والمبادرة من رجل تقرأ في محياه الصدق والأمل الممزوج بالقوة والإصرار في تحدي الصعب وإن كثرت عقده، وبلوغ المرام وإن تشابكت طرقه، لهي أمل للبشرية ببزوغ فجر جديد تتقارب فيه الرؤى وتتحد التوجهات وهي مساعدة للبشرية جمعاء حاضرها وقادمها؛ للخروج من بوتقة الاعتقاد الصارم لدى الطرف والطرف الآخر أن الحق كل الحق مع كل منهما! ما يؤدي للفرقة والاعتداد بالذات والصراع الذي لا يخلف إلا الموت والهلاك والدمار.. ولعلي في موقف كهذا أستذكر موقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قال: (أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه) مبتعداً كل البعد عن الاعتداد بالذات وهو والي أمير المؤمنين، وهذا باعث على أن احترام الرأي الآخر هو الخطوة الأولى من خطوات البحث عن الحقيقة إن كان الهدف هو الحقيقة التي ربما كانت مناصفة بين رأيين لو اجتمعا لشكلا قطبيها.. فإذا كان هدف الحوار هو الحقيقة أغفل المرء كبرياء الذات العمياء وحلت النظرة الشمولية محل أحادية النظرة وبنى الرأي بناءً على انطلاقة من ذات الموضوع بكل جوانبه مبنية على الود واستيعاب الآخر وهذا سر القبول لدى الآخرين {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} الآية 159 من سورة آل عمران.

إن قضية الحوار تحتل مساحة كبيرة في واقعنا من خلال الدعوة لها وسط خضم هذه الإشكالات المتتالية والأزمات الخانقة على المستوى العالمي وعدم فهم الآخر وكيل الاتهامات المبنية على النظرة الأحادية أو المنطلقة من آراء سابقة؛ فثقافة الحوار هي عنق الزجاجة المفتوح الذي نتنفس منه وسط حياة مليئة بالصراعات والتقاطعات، ونحن أمام خيارين إما أن نتحاور فنرتقي لهذا المخرج وننجو، وإما أن ننحشر في صراعاتنا ونؤجج ما بيننا فيكون الهلاك مآلنا.

إن دعوة الملك الكريم للحوار لهي طريق لينال وننال به البشرى التي وعد الله بها في كتابه الكريم: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الآية 18 من سورة الزمر.



almdwah@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد