قرأت في عدد سابق من الجزيرة الثقافية القصيدة المكتوب عنوانها أعلاه وعليها أقول معقِّباً: |
تبدأ قصيدته بكلمة البدايات، وأنا كانت لي مداخلات مع بداياته لعلها قبل أن يصبح دكتوراً.. أقصد الشاعر اللعبون. |
عنوان القصيدة (حتى مطلع الطهر) مستقاة من الآية الكريمة :{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.. وبقراءتي للقصيدة لم أجد فيها كلمة من العنوان.. (حتى مطلع الطهر) ولا ندري متى يطلع الطهر، وإلى أن يطلع سيبقى الوضع على ما هو عليه - بدون طهر - ولا أريد أن استعمل كلمة أسوأ.. وإلى القصيدة: |
القصيدة من البحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) والغالب أن تأتي التفعيلة الأخيرة في شطري البيت على فَعِلنْ وهنا جاءت في شطري البيت الأول على (فالُنْ) ولا مانع.. وبالنسبة للقافية والروي في البيت الأول إذا اتفقا (بداياتي والآتي) (ياتي.. آتي) هذا يسمى في علم القافية (التصريع) وهو جميل يعطي تنغيماً لبداية القصيدة وليس واجباً - وقد تكررت كلمتا البداية والبدايات في القصيدة والتعليق: |
تكاثرت الظباء على خراشٍ |
فما يدري خراشّ ما يصيدُ |
1- أنتِ البدايات.. ما أحلى بداياتي |
يا يوميَ العذبَ.. يا ماضيَّ والآتي |
والمفضَّل في الشعر الإنشاء (الأمر والنهي والنداء والاستفهام والعرض والحض والتمني والرجاء) وهذا لم يأت في البيت لكن التعجب في البيت جمال. |
فهي البدايات.. كم بداية هي وهل هي بداياتك في الحب، وإذا كانت هي بداياتك فهذا في أوان الصغر. قال المجنون: |
تعلقتُ لَيلى وهي غِرٌّ صغيرةُ |
ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجمُ |
صغيرينِ نَرعى البهم يا ليبت أنّنا |
إلى اليومِ لم نَكبرْ ولم تكبرِ البهمُ |
حتى أنه تمنّى لو لم يكبر لا هو ولا هي، وبعد أن كبرت فما زالت في عينه صغيرة: |
|
|
(بالنسبة لبيت: لم تزل ليلى.. فهو من قصيدة (جبل التوباد) للمجنون أيضاً (قيس بن الملوّح) ومطلعها: |
جبل التوباد حياك الحيا |
وسقى الله صبانا ورعى |
غناها الراحل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. |
ما أحلى بداياتي.. فعلاً .. ما أحلاها ! كما قال أبو تمام (حبيب بن أوس الطائي): |
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى |
ما الحب إلا للحبيب الأولِ |
كم منزلٍ في الأرض يألفهُ الفتى |
وحنينُه أبداً لأول منزل |
وبقية البيت استحواذها على أيامه (الحبيبة):، يومه الحاضر وماضيه الزاهر (الله أعلم) وآتيه المجهول فلم يبق له شيء. |
بقي أن أقول: إن كلمة (ماضيَّ) أصلها (ماضييَ) الياء الأولى من أصل الكلمة، والثانية ياء المتكلم وأدغمتا - وهنا نكتة بلاغية بيانية - ماضيَّ والآتي طباق. |
2- أهواكِ أهواكِ كم أهواكِ معتقداً |
إن الهوى - ويحه - فوق اعتقاداتي |
أهواك أهواك أهواك.. يا سيدي صدقناك.. ذكرتني بالسيدة نجاة الصغيرة: |
(إني ألفُ أهواهُ) ..من أغنية: |
ماذا أقول له إن جاء يسألني |
إن كنتُ أكرهه أم كنت أهواه |
|
والهوى أول الدرجات يليه الحب، ثم يأتي العشق الذي يخترق الشغاف ليستقر سهمه في القلب كما أحبت امرأة العزيز سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم.. قال تعالى: |
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}30 - 31) سورة يوسف. |
(بالمناسبة: رسالتي الماجستير كانت عن دعوة يوسف عليه السلام للتوحيد) |
والهوى الميل، ومن يهوَ يمِل، والهوى يعمي ويصم.. قال تعالى: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}. |
|
فاحذر هواها فحاذر أن تولِّيَهُ |
إن الهوى ما تولى يُصمِ أو يَصمِ |
|
(أما الهوى فوق اعتقاداتك).. فهذه مصيبة.. دون الخوض في التفاصيل. |
3- الحب لولاكِ ما استعذبتهُ أبداً |
ولا رفعتُ له مبيضَّ راياتي |
قال المطرب علي حميدة: (لولاكي ما حبيت). |
لولاك: مشكلة.. ما بعد لولا متبدأ خبره محذوف. قال أبو الطيب: |
لولا المشقةُ ساد الناس كلهمُ |
الجود يفقر والإقدام قتالُ |
فالأصح أن تقول (لولا أنتِ) |
ثم إن الحب بها وبدونها عذبٌ وعذاب، رفعتَ له مبيضَّ راياتك.. رفعت الراية البيضاء استسلاماً |
4- ما الحب؟ هل تعرفين الحب فاتنتي |
إذن سلي عنه إطراقي وآهاتي |
بمناسبة إطراقك وآهاتكٍ شَدَتْ كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم: |
أهل الحب صحيح مساكين.. ياما الحب نده على قلبي ما ردش قلبي جواب |
ياما الشوق حاول يحايلني وأقول له رُح يا عذاب |
ياما عيون شغلوني (شاغلوني).. لكن ولا شغلوني |
إلا عيونك أنت.. دول بس اللي خدوني |
|
|
|
|
5- أنا البعيد وآمالي تقرّبني |
وإن تعالقت الذاتان في ذاتي |
|
يا غائباً لا يؤوبُ |
أنت البعيد القريبُ |
مهما تغبْ عن عيوني |
فأنت أنت الحبيبُ |
|
طواه الرّدى عني فأضحى مزارهُ |
بعيداً على قربٍ قريباً على بُعدِ |
|
أما الذاتان في ذات.. فهي كما قيل: |
أنا من أهوى ومن أهوى أنا |
نحن روحان حللنا بدنا |
فإذا أبصرتهَ أبصرتني |
وإذا أبصرتني أبصرتنا |
6- أنا هنا ما نَأتْ بي عنك موجدةٌ |
ولم يَحُلْ بيننا بعدُ المسافاتِ |
والموجدة الزعل والغضب: رحم الله سعد إبراهيم: |
يا هاجري ليش الزعلْ |
يا هاجري.. ماذا حصلْ |
يا هاجري انت الأمل |
يا هاجري زاد العنا |
(ربنا ما يجيب موجدة ولا زعل).. وجد عليه: غضب حتى الحقد، وتأتي الموجدة من الوجد والعاطفة والوجدان ولم يحل بيننا بعد المسافات:الحب. ويظهر أنها مسافرة وبعيدة.. كما قال ابن الرومي: |
طواهُ الردى عني فأضحى مزارهُ |
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ |
|
ليت الذين أحبهم عرفوا |
وهمو هنالك ما لقيتُ هنا |
ما كنت أحسب أنْ أفارقَهم |
حتى تفارقَ روحيَ البدنا |
7- ما زار طيفك، إذ ما غاب عن خَلَدي |
ولم يغب منك إلا الدفءُ مولاتي |
وفي هذا الشتاء اشتر لك (فروة) أو دفاية على ديزل (أرخص)، وكُل (أبو فروة) فلعلك تدفأ |
أما الطيف فحسناً أنْ لم يزرك، فلو فعل لحرمك لذيذ المنام.. غنت الراحلة أم كلثوم: |
قولي لطيفك ينثني |
عن مضجعي وقت المنامْ |
كي أستريح وتنطفي |
نارٌ تأجَّجُ في العظامْ |
|
نعم سرى طيف من أهوى فأرّقني |
والحب يعترض اللذات بالألمِ |
8- هذي المطارات تبدو لي نوافثها |
سلاحفاً سيرها يغتال أوقاتي |
نعم إذا كنت بالانتظار فالوقت يمر أبطأ من مروره على فريق فائز في كرة القدم 1-صفر وينتظر صافرة الحكم خوفاً من التعادل. |
|
هوّاَ صحيح الهوى غلابْ |
ماعرفش أنا |
والهجر قالوا مرار وعذابْ |
واليوم بسنة |
والنوافث: قصدك النفاثات جمع نفاثة، أما النوافث فجمع نافثة. قال تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} |
والسلاحف (turtles) أسرع من النفاثات مسألة فيها نظر. |
9- لو أستطيع جعلت الروح أجنحتي |
والقلب بوصلتي والعين مرآتي |
الروح (spirit) أو (soul) أجنحتك: لا بأس والقلب بوصلتك (copass) لا بأس أيضا لكن العين مرآتك.. هل ٍلترى فيها نفسك (أنرجسية هذه)؟ |
10- وجئت أطوي إليكِ الأفق معتسفا |
شوقي وألقيت في شطيك مرساتي |
|
هل ستطير الطيارات في البحر كيف تطوى الأفق في النوافث (على رأيك) ثم تلقى مرساتك؟ لعلك تتمنى ما تمناه من قال: |
أسربَ القطا هل من يعير جناحَهُ |
لعلي إلى من قد هويت أطيرُ |
نزار رفيق بشير - الرياض |
|