Al Jazirah NewsPaper Friday  28/11/2008 G Issue 13210
الجمعة 30 ذو القعدة 1429   العدد  13210
فضل يوم عرفة
عبدالعزيز بن محمد العبدالمنعم

خص الله بعض الأمكنة وبعض الأزمنة بمزيد من الفضل والخيرية، يتسابق فيها المؤمنون بالأعمال الصالحة، حيث تضاعف فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات.

فمن الأمكنة الفاضلة: المسجد الحرام، حيث الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والمسجد النبوي إذ الصلاة فيه بألف صلاة، والمسجد الأقصى إذ الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، وحسنات الحرم في المضاعفة كصلاته.

ومن الأمكنة الفاضلة: المساجد؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).

وكما تتفاوت الأمكنة في الفضل، فكذا الأزمنة؛ فقد فضل الله شهر رمضان على سائر الشهور، وجعل صوم نهاره أحد أركان الإسلام وفيه ليلة القدر، والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

ومن ذلك عشر ذي الحجة، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء).

ومن ذلك يوم عاشوراء؛ ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صيام يوم عاشوراء؛ فقال: (يكفر السنة الماضية).

ومن الأيام التي اجتمع فيها فضل الزمان وفضل المكان يوم عرفة؛ فالوقوف في عرفة لمن حج في تلك السنة أحد أركان الحج؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الحج عرفة) وقال: (وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف)، وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم، ويقفوا بها، فإنها من إرث أبيهم إبراهيم. وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه).

وفضائل يوم عرفة كثيرة مشهورة، فمنها ما ورد في الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود أنزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أي آية؟ قال: قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: إني لأعرف اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. فهذه الآية تشهد لما روي في يوم عرفة أنه يوم المغفرة والعتق من النار.

ومن فضائل هذا اليوم أنه يوم إتمام الدين وإكمال النعمة، ومنها: أنه عيد لأهل الإسلام كما قال عمر بن الخطاب وابن عباس - رضي الله عنهما -.

ومنها: أنه يشرع صومه لأهل الأمصار، وأنه كفارة سنتين، فقد روى مسلم في صحيحه عن قتادة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة؟ فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية). وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فالأفضل في حقه الفطر ليتقوى به على العبادة.

ومنها: أنه يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة).

ومنها: أن الله يباهي ملائكته بأهل الموقف، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى ابن ماجه في سننه، قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو عز وجل، ثم يباهي بكم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء).

ومنها: أن الشيطان ما رُئي أذل ولا أحقر منه في يوم عرفة؛ لما يرى من تنزل الرحمات، والتجاوز عن السيئات، وغفران الذنوب.

ومنها: أنه قيل إنه الشفع الذي أقسم الله تعالى به في كتابه، وأن الوتر يوم النحر، وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها: ما ورد أنه الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه؛ قال تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم الجمعة، وقيل بالعكس.

ومنها: أنه روي أنه أفضل الأيام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الأيام يوم عرفة).

ومنها: أنه يوم الحج الأكبر، ذكره الحافظ ابن رجب في اللطائف عن جماعة من السلف. والمشهور أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.

فيوم هذه صفاته وفضائله ينبغي لكل ناصح لنفسه أن يحذر من الذنوب التي تمنع من المغفرة والعتق من النار فيه، ومنها: الاختيال؛ فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما يرى أكثر عتيقاً ولا عتيقة من يوم عرفة، ولا يغفر الله لمختال) والمختال: هو المتعاظم في نفسه، المتكبر، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء).

ومنها: الإصرار على الكبائر؛ فالذي يطمع في المغفرة والعتق من النار، عليه أن يشتري نفسه من الله، وذلك بالتوبة النصوح من جميع الآثام والأوزار، والاستقامة على الطاعات والمبادرة إليها؛ قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

ومما ينبغي للحاج في هذا اليوم العظيم أن يستحضر عظمة ربه أرحم الراحمين، ويخلص أعماله لله رب العالمين، ويستحب أن يكون مفطراً ليتقوى على الدعاء مع أن صومه بغير عرفة يعدل سنتين، ويكثر الدعاء والاستغفار والتضرع، وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة، ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.. وغير هذا الدعاء مما ورد من الأدعية في السنة في عرفة، ويكثر من قول: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، ويكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات، وتقال العثرات.

وليحذر الحاج من الوقوع في شيء من البدع في الدين، أو الاعتداء في الدعاء، أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله من دعاء أو خوف أو رجاء أو توكل أو رغبة أو رهبة أو خشية أو خضوع أو استعانة أو استغاثة أو استعاذة أو ذبح أو نذر أو غيرها من العبادات؛ فهذا قد ارتكب ظلماً عظيماً مانعاً لمغفرته ما دام مصراً على شركه.. نسأل الله العافية.

ونسأل الله أن يوفق حجاج بيته الكريم لأداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وفق سنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً.. إنه جواد كريم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد