Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/11/2008 G Issue 13212
الأحد 02 ذو الحجة 1429   العدد  13212
300 مؤسسة تنتشر في أرجاء العالم تسعى لاجتذاب الحصة الأكبر
الصيرفة الإسلامية تتحفز لأخذ المبادرة العالمية متسلحة بتريليون دولار

أبرزت الأزمة المالية العالمية الحالية أهمية قطاع التمويل الإسلامي باعتبار أنه يمكن أن يشكل أحد العناصر التي تدخل ضمن معادلة النظام المالي الجديد الذي تؤكد كل المعطيات أنه سيصبح حقيقة ماثلة خلال الأشهر المقبلة في ظل فقدان الثقة في النظام الرأسمالي الغربي الصرف مثلما حدث في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي عندما سحبت البلدان الشيوعية ثقتها عن النظام الاشتراكي. وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن الأزمة المالية العالمية سيكون لها تأثير قصير الأمد على أنشطة التمويل الإسلامي، إلا أن العديد من الخبراء يجمعون على أن تلك الأزمة يمكن أن تتيح للقطاع ترسيخ أقدامه بشكل أكبر من خلال الإسهام في إصلاح النظام المالي. عليه يمكن القول إن قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية الذي يتربع على استثمارات تصل إلى تريليون دولار حالياً يتحفز للاستفادة من الأوضاع الحالية ولعب دور مؤثر على الساحة المالية العالمية.

وأصبحت الصيرفة الإسلامية صناعة ذات وزن كبير خلال العقود الثلاثة الماضية. ويوجد في العالم حالياً نحو 300 مؤسسة مالية إسلامية في جميع أنحاء العالم. وتشير بعض تلك التقديرات إلى أن قيمة المعاملات العالمية تصل إلى تريليون دولار، في حين يبلغ معدل نمو التمويل الإسلامي السنوي بين 15% إلى 20%، ويتضاعف كل خمس سنوات على الأقل. أما معدل نمو سوق التأمين الإسلامية أو سوق التأمين التكافلي فيبلغ 25% سنوياً، ولكن قاعدته منخفضة نسبياً حيث تبلغ 4 مليارات دولار في جميع أنحاء العالم حالياً. ويوجد حاليا أكثر من 210 صندوق أسهم إسلامية مسجل على الصعيد العالمي. وتسود أجواء متفائلة بإمكانية التوسع في مجال التمويل ذي الطابع الإسلامي وفي الأنشطة المالية الاقتصادية والبنوك الإسلامية سواء في العالم الإسلامي أو في أوروبا.

وتبذل الهيئات المعنية جهوداً كبيرة من أجل توضيح الأسس اللازمة لتنظيم المؤسسات المالية الإسلامية، وأن يكون هناك مجال كبير للتمويل الإسلامي للإسهام في مقررات اتفاقية (بازل3) فيما يتعلق بتنظيم البنوك وإدارة المخاطر. ويبدو مستقبل هذه الصناعة واعداً، حيث تمثل الودائع المتوافقة مع الشريعة الإسلامية 100 في المائة من الودائع في إيران، وما بين 20 و30 في المائة في الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، وحوالي 15 في المائة في الإجمالي في ماليزيا. وتقدم البنوك الإسلامية خدمات مماثلة لما تقدمه البنوك التقليدية، ولكن الطرق التي تستخدمها البنوك الإسلامية تختلف وتراعي ضرورة تقديم تسهيلات وخدمات مصرفية حديثة لا تخرج عن إطار الالتزام بالشريعة الإسلامية.

وزادت حالات عدم الرضا عن الخدمات المصرفية التقليدية في أوساط الغربيين. ويعتبر العديد من الأوروبيين أن الخدمات المصرفية التقليدية تنطوي على قدر كبير من الاستغلال وفيها الكثير من الخدمات غير الأخلاقية. كما أن التمويل الإسلامي يشتمل على المشاركة في المخاطر، بحيث يتحمل الأطراف أعباء بعضهم البعض، وليس مجرد تحويل المخاطر إلى الأطراف الأخرى التي يتم غالباً استغلالها في النظام المالي الغربي.

وينظر العديد من المصرفيين الغربيين باهتمام إلى التمويل الإسلامي وذلك نظراً لما يوفره من فرص عمل واستثمار بطرق أفضل مما هو موجود في المصارف التقليدية الغربية.

ورسخت مؤسسات التجزئة المالية الإسلامية أقدامها في عددٍ من الدول الغربية، وأصبحت هنالك أنشطة ملحوظة لمؤسسات كبيرة مثل بنك بريطانيا الإسلامي و(الاستثمار الإسلامي الأوروبي)، و(لا ربا)، وإضافة إلى هذا بدأت مصارف تقليدية مثل البنك البريطاني وسيتي بانك ودويتشة بانك ويو بي أس السويسري وغيرها تقدم عمليات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وحتى في نظر الخبراء الغربيين فإن التمويل الإسلامي يعتبر بالفعل بديلاً مبشراً للبنوك التقليدية ويمتلك سجلاً مشرّفاً. ودخلت البنوك الإسلامية في شراكات مع عدد من البنوك التقليدية من أجل إصداراتها من الصكوك الإسلامية وبغرض ممارسة الأعمال المصرفية الاستثمارية الأخرى، بما في ذلك التمويل المشترك وخدمات إدارة الودائع.

وفي إطار التوسعات التي تشهدها أنشطة الصيرفة الإسلامية في الغرب منحت هيئة الخدمات المالية البريطانية ترخيصا لمصرف (غيت هاوس بنك) ليصبح خامس بنك إسلامي مستقل في لندن. ويركز البنك التابع لمؤسسة (بيت الأوراق المالية) الكويتية على الفرص المتاحة في منطقة الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا والأسواق الناشئة الأخرى. وتعتبر لندن أكبر سوق للبنوك الإسلامية في العالم الغربي، وتزداد النظرة إلى التمويل الإسلامي على أنه دعم هام للمدينة في منافستها مع المراكز المالية الكبرى مثل نيويورك وطوكيو وسنغافورة.

كما أصبحت شركات التكافل الإسلامية نشطة على نحوٍ متزايد، فضلاً عن سمتها البارزة المتمثلة في عدم امتلاكها لسندات ربوية، ومراعاتها لعدم اختلاط أموال المساهمين والأقساط المدفوعة من قبل أصحاب عقود التأمين. ونتيجة لتلك التطورات انخرطت شركات المحاماة الدولية الرائدة في الأعمال المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي نظراً لضرورة صياغة العقود بطريقة تتسق مع الشريعة في ظل القوانين الغربية.

ويأمل المراقبون أن تؤدي الأزمة المالية العالمية الحالية لإقدام المزيد من البلدان خلال المرحلة المقبلة على التوسع في نظام التمويل المالي الإسلامي والانتقال لأنماط أخرى غير الأنظمة المستخدمة حالياً. وعلى الرغم من أن بعض البلدان لا تستخدم حالياً تعبير البنك الإسلامي في البنوك والشركات المالية الموجودة لديها إلا أن تلك المؤسسات وباختلاف تسمياتها تعرف لدى المتعاملين على أنها بنوك وشركات مالية إسلامية الطابع والتطبيقات.

وناقشت ندوة انعقدت بالعاصمة المصرية القاهرة مؤخراً موضوع التمويل العقاري من منظور الاقتصاد الإسلامي، وهو ما يجنب المتعاملين المخاطر التي سببت الأزمة المالية العالمية الحالية. واستعرضت الندوة مدى تأثر الاقتصادات العربية بالتباطؤ الحاصل في أوروبا والولايات المتحدة بسبب هذه الأزمة.

وتضمنت إحدى الأوراق المقدمة في الندوة مرتكزات أساسية يمكن أن يسهم بها الاقتصاد الإسلامي في علاج ما سببته هذه الأزمة، ومن بينها إلغاء أساليب التمويل الحالية في التمويل العقاري القائمة على سعر الفائدة، واستخدام نظام المرابحة أو المشاركة التأجيرية، إضافة إلى ضبط عملية التوريق بحيث تكون لأصول عينية وليست بيعا للديون. ويطالب خبراء التمويل الإسلامي بضرورة منع البيوع القصيرة الأجل من البيع على المكشوف والشراء بالهامش، وعدم التعامل بالمشتقات المالية واستخدام آلية السلم التي يقرها الفقه الإسلامي، إضافة إلى الامتناع عن استخدام الفوائد الربوية والتحول عنها إلى استخدام المشاركات والبيوع المشروعة، ووضع ضوابط للمعاملات ووجود هيئات متخصصة للإشراف والرقابة على الأسواق والمؤسسات في إطار الحرية المنضبطة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي.

وتتمثل الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية في تقديم حلول وخدمات مالية مثل تطوير هيكلية الصكوك كمنتج إسلامي، يعكس حقيقة الاتجاهات الاقتصادية فيما يتعلق بزيادة المديونية. كما أدت الاستجابة النشطة التي أوجدها قطاع المصارف الإسلامية لتلبية الاحتياجات المتنامية لخدمات المرابحة الإسلامية إلى نمو كبير في هذا الجانب الذي يعتمد بشكل كبير على حركة التجارة. وإذا أخذنا المنطقة العربية مثلاً نجد أن هنالك مقومات نمو كبيرة لهذا الجانب المهم، فحجم التجارة العربية ينمو بشكل ملحوظ على المستويين البيني والخارجي،

فعلى مستوى العلاقات الاقتصادية العربية الأمريكية وحدها على سبيل المثال، يبلغ المتوسط السنوي للتجارة السلعية بين الطرفين نحو 200 مليار دولار.

ومن المتوقع أن تشهد عمليات الإجارة نمواً أيضا سواء كان في العالم الإسلامي أو الغربي. لكن كل ذلك يتوقف على مدى قدرة البنوك الإسلامية على التعامل مع هذه المنتجات المهمة والتي يمكن أن ترسخ مكانة القطاع بشكل واضح.

وتتمتع لندن بميزة مهمة لاجتذاب التمويلات الإسلامية أبرزها وجود 23 مصرفا بها إلى جانب عدد كبير من مؤسسات إدارة المحافظ المالية والمؤسسات القانونية الدولية التي تقدم خدمات مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية فضلا عن وجود سوق ثانوية في الصكوك الإسلامية بتعاملات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات شهريا فضلاً عن وجود سوق متنامية لخدمات الرهن العقاري بالتجزئة حسب الأصول الإسلامية. ويعد حجم التعاملات اليومية في السلع عبر بورصة لندن للمعادن من المقومات الجوهرية لإدارة الأصول والسلع بالأنظمة الإسلامية. وإضافة إلى هذا تكتسب لندن زخماً كبيراً في مجال التطوير العقاري، ويقول خبراء في قطاع التمويل العقاري إن أزمة الائتمان العالمية عززت من نمو قطاع التمويل الإسلامي ودفعت مزيدا من المطورين العقاريين إلى التحول لوسائل التمويل الإسلامي في ظل الصعوبات التي يوجهها التمويل التقليدي. وتستهدف البنوك الإسلامية أيضا القارة الآسيوية التي تعتبر واحدة من المكامن الاستثمارية المهمة،

توسيع الشراكات

تتطلب عملية تعميق أنشطة المصارف الإسلامية الانتباه إلى ضرورة توسيع الشراكات وتدعيم قاعدة رأس المال، وهو أمر لا يتأتى إلا عن طريق سلك طريق الاندماجات والدخول في كيانات كبيرة. وتسعى البنوك والمصارف الإسلامية العربية حاليا إلى تحقيق تكامل أكبر بينها وبين منطقتي جنوب آسيا وجنوبها الشرقي، ويتوقع أن تستحوذ المنتجات المالية التي تقدمها المؤسسات المالية الإسلامية على 60 في المائة من مدخرات المسلمين البالغ عددهم حوالي 2.1 مليار مسلم وذلك بحلول العقد المقبل. ونظراً لأن المصارف الإسلامية لا تزال محاطة بالإطار الواسع والمرن للشريعة الإسلامية، فإنها تستطيع أن تكون وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمارات الرأسمالية، التي عليها في الوقت نفسه الالتزام بمبادئ العدل والمساواة وستستمر المصارف الإسلامية في تحسين موقعها في العالم الإسلامي وخارجه.

عقبات بحاجة لحلول

تواجه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مشكلات وعقبات كبرى من بينها قلة الأدوات التي تمكنها من تلبية متطلبات العمل اليومي من السيولة النقدية. كما تبرز أيضا مسألة غياب قطاع إدارة الثروات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية كواحدة من جوانب الخلل المهمة في العمل المصرفي الإسلامي. والملاحظ أن البنوك الإسلامية الموجودة حالياً تركز على الخدمات المصرفية والاستثمارية مع وجود قصور ملحوظ في جانب خدمات الأفراد. ومن الأمور الأخرى التي تعيق المصرفية الإسلامية هو طول المدة التي يحتاجها إصدار بيان شرعي من قبل المجلس المختص، وهو أمر يضيف أعباءً جديدة على البنك مقارنة بتكاليف إطلاق المنتجات التقليدية. وتتركز المناقشات حالياً حول موضوع (الفتوى الدينية) ودورها في تقدم أو إعاقة عمل الطروحات المالية والاقتصادية الإسلامية, وكذا المصطلحات المالية والتعبيرات المستخدمة في قطاع تمويل المشروعات المختلفة في الاقتصاد الإسلامي، علاوة على الطموحات والآمال والمصاعب التي تواجه نظام التمويل المالي الإسلامي.

ويرى الخبراء أن الغموض المحيط بنظرة الرأي العام ومدى فهمه وإدراكه للغموض المحيط بالمصطلحات المالية الإسلامية مثل التمويل الإسلامي, والمرابحة, والمضاربة, والصكوك يرجع إلى أن عمل المال الإسلامي جديد على الساحة الاقتصادية والمالية مع التذكير بأن الإنجازات القديمة والتطبيقات المالية الإسلامية كثيرة وبعيدة الزمن. ولم يحدث التوثيق الكافي لها وتجري محاولات للتوعية نظراً لأن هذه المصطلحات تحمل في طياتها أمورا فنية معقدة.

ويرى الخبراء هنا أن المسؤولية تقع على عاتق البنوك المُسوقة لهذه وأن على الأشخاص الذين يطلبون استخدام أدوات معينة يجب أن يكونوا عالمين بها وعلى البنك المقدم لهذه الخدمة أيضا أن يثقف جمهور العملاء. كما تقع على عاتق المؤسسات التمويلية وأجهزة الإفتاء مسؤولية توعية الناس وتعريفهم بتلك الأدوات المالية والأمر يتطلب قيام المؤسسات المالية العاملة في هذا النوع من الآليات المالية بحملة لتوعية المستثمرين بهذه الأدوات.

وتقع على عاتق خبراء العالم الإسلامي العمل على إيجاد نظام نقدي ومصرفي مستقل عن ما هو سائد في العالم حاليا. ومن شأن بدء العمل لإيجاد نظام قائم على التعاليم الإسلامية أن يعزز استقلالية العديد من البلدان، حيث يعتقد العديد من الخبراء أن العمل ضمن النظام النقدي والمصرفي السائد في العالم يضع قيودا أمام الدول الإسلامية.

وخارج العالم العربي بدأ الناس يقبلون على الأنماط المالية الإسلامية. لكن المشكلة تكمن في أن التوسع في هذا النوع من التمويل المالي يحتاج لأحداث تعديلات قانونية تسمح بضم هذه الأنماط المالية الإسلامية الجديدة لمجمل الأنماط المالية القائمة. ويتصاعد في الطلب على التمويل الإسلامي في أوروبا لكن هناك أسبابا تقف وراء هذه اليقظة والطلب الجديد مثل نمو الثروة لدى الطبقة المتوسطة الإسلامية وطلب المنتجات أو التمويل المالي الذي يحمل صفة الحلال حتى بين غير المسلمين, وتغير أو تحول في موقف وسياسة الحكومات وكون التمويل الإسلامي يمثل فرصة عمل وكسب مربح.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد