Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/11/2008 G Issue 13212
الأحد 02 ذو الحجة 1429   العدد  13212
نوافذ
فتوى.. ماليزيا
أميمة الخميس

على حين تبدو تجربة ماليزيا الحضارية أحد مصادر الفخر والاعتزاز على المستوى الإسلامي, فإننا من ناحية أخرى لا نعلم الكثير عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية أيضا التي جعلت من ماليزيا أحد النمور الآسيوية القادمة إلى العالم المتقدم بقوة وخيلاء.

ولعل رفض سلاطين ماليزيا وقطاعات كبيرة من الشعب الماليزي لفتوى حاولت أن تفرض عليهم الوصاية بشكل فوقي وتمنعهم من ممارسة رياضة اليوغا الروحية يقودنا إلى فهم أوسع لطبيعة التجربة الحضارية هناك. والمتأمل لطبيعة التركيبة السكانية في الجزر المالاوية يجد أن الغالبية هناك للمسلمين من الملاويين بما يقارب 60%, بينما تتراوح النسب السكانية الباقية بين المسيحيين والهندوس وأقليات متفرقة من البوذيين.

هذا النسيج الملون والغني الذي يضرب أطنابه عميقاً في التاريخ الماليزي قد أسس له عبر السنين هوية وطنية قوية قائمة على التعايش والتسامح والقبول بالآخر، فالتجربة الديمقراطية في ماليزيا تملك الكثير من المتانة التي انعكست بدورها على الاستقرار السياسي والاجتماعي هناك ومن هناك انطلقت ماليزيا في نهضتها الاقتصادية.

وعندما سئل الأب الروحي لماليزيا الحديثة وقائد نهضتها في العصر الحديث الطبيب (محمد مهاتير) عن السبب الذي جعل من ماليزيا، في غضون خمسين عاماً فقط تلت خروج الاستعمار الإنجليزي منها، تنهض كقوة اقتصادية لا يستهان بها في المنطقة، أجاب مهاتير ببساطة وثقة: إنه التعليم، وهو بالتأكيد التعليم المواكب والمستوعب لمتطلبات العصر، الذي بدوره يمد الفرد الماليزي بالتجارب والخبرات والمهارات التي تخوله بأن ينخرط في سوق العمل كقوة مدربة ومتمكنة.

أيضاً حررت ماليزيا تعليمها من ثقل الخطاب الأيديولوجي وسطوته ولم تسمح له بأن يكبل مناهجها، ويعرقل ملكات وقدرات الابتكار والإبداع لدى الطلاب، فسعت إلى احترام التعددية العرقية الدينية والمذهبية في ماليزيا وانشغلت عن التباين والاختلاف بمشروعها الحضاري.

وحلّقت في تجربتها النادرة والفريدة، التي أسست لها اقتصاداً قوياً قادراً على مواجهة الصعاب والتحديات التي تواجهه أياً كانت، والتي من أبرزها نجاحها في التغلب على الانهيار الاقتصادي الذي ضرب دول جنوب آسيا عام 1997.

وقد أشار رئيس الوزراء الماليزي الحالي عبد الله أحمد بدوي إلى فقرة مهمة في مجمل تفسيره لتراجعهم وسحبهم فتوى تحريم اليوغا قائلاً (إنه ليس من السهل استدراج المسلمين إلى الشرك). وأعتقد أن هذا الطرح، وهذا الخطاب الناضج المتحرر من الوصاية، هو الروح الخفية التي تكمن خلف النجاح الماليزي؛ فهناك احترام عميق لوعي الأفراد، واحترام لخياراتهم، ومحافظة على الروح المتسامحة المتعايشة التي يتكون منها التجربة الماليزية الإسلامية.. الناجحة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد