كتب - محمد بن عبدالعزيز الفيصل
تحل الأيام الصعبة (الحزينة) مهرولةً ساخطة.. معلنةً التمرد على جميع قيم الفرح والحب والاعتدال، تسير بقسوة وبجبروت فلا ترحم محباً ولا تراعي ظرفاً فهي كالسحابة السوداء تعتم بسخطها الشمس الساطعة فلا تسمح بتسرب أي محاولة ضوئية قد تمهد للفرح أو السرور ولكنها سرعان ما تزول وتذبل فيميز الخبيث من الطيب ويبين النحاس عن الفضة لتطفو على السطح جميع قيم الوفاء والأخوة والمروءة..كناَّ وما زلنا في مشوارنا الحياتي نركض جادين (مسرعين) لعلنا نخطف ما تبقى من خريف العمر والزمن أملاً صادقاً - لدينا لا يخالطه شك - بأن دورة الحياة لن تسلمنا إلى الموت، وما إن تبدأ العجلة في الدوران حتى نُفَاجأ (نصدم) بمواعيد غير مسبقةٍ مع الموت الذي لم ولن يمهلنا لحظةً واحدةً فنرحل من هذه الدنيا فلا يبقى لنا سوى عملنا الصالح وذكرنا الحسن فطوبى لمن ظفر بأحدهما يؤازه حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).رحل عبدالعزيز بن ثنيان بن فهد الثنيان عن هذه الدنيا صباح يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ذي الحجة للعام سبعة وعشرين وأربعمائة بعد الألف إثر حادث سيارة - رحمه الله- فطوى بذلك مسيرة الواحد والثلاثين عاماً التي ملأها بالذكر الحسن والأعمال الصالحة.
كان الأخ العزيز فهد بن ثنيان الثنيان قد أسر إلي أنه بصدد إعداد كتابٍ سيري عن شقيقه الأصغر الفقيد عبدالعزيز - غفر الله له وأسكنه فسيح جناته - ومنذ ذلك الحين كنت أتوق إلى تصفح هذا الكتاب والاطلاع عليه، فما هي إلا أشهر معدودة وإذا بالإصدار بين يدي - عبدالعزيز بن ثنيان بن فهد الثنيان - رحمه الله - في ذاكرة محبيه، إعداد: فهد بن ثنيان بن فهد الثنيان - مشفوعاً بخطابٍ رقيقٍ يشكر فيه المؤلف كل من شاركهم العزاء في الفقيد وكل من شاطرهم الحزن على العزيز عبدالعزيز، ويبين خلاله بعضاً من محتوى الكتاب بالإضافة إلى الهدف من إعداده.
لا أخفيك سراً أخي القارئ الكريم إذا قلت بأني قد تأثرت كثيراً عندما اطلعت على هذا الكتاب متنقلاً بين صفحاته وصوره وكلماته فكانت مشاعري متنقلةً بين كهوف الحزن وأبواب الغبطة فتارة أحزن على وفاة مثل هذا الشاب الطموح الذي جمع بين الصفات الحميدة والشهادة المجيدة التي حفظها له الكل - وعلى رأسهم والده الشيخ ثنيان - فكان نبراساً في البر والخير والصلاح، وتارة أحس بالغبطة عندما أرى كل هذا الكم الهائل مشاعر الحب والوفاء من القاصي والداني من الكبار والصغار من المسؤولين والوجهاء والأمراء الذين شاركوا بعزائهم وكلماتهم الصادقة (النبيلة) في تأبين هذا الشاب الصالح رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، لقد كانت كلمات والده الشيخ ثنيان عميقة ومؤثرة، ومما يهز الوجدان فيها قوله: (لقد رحل ولدي عبدالعزيز في ريعان شبابه، ولكنه كان ولداً باراً صادقاً فيه من علامات الرجولة والشهامة ما لا يخفى على كل من عرفه عن قرب، وأشهد الله أنني راضٍ عنه كل الرضا، وأرجو من الله العزيز القدير أن يرحمه ويغفر له ويتقبله عنده في الصالحين، ويجمعني به في جنته إنه على كل شيءٍ قدير)، يا لها من كلمات مؤثرة وصادقة خرجت من قلب يملؤه الحزن والأسى على الفراق، بقدر ما يملؤه الصبر والاحتساب على هذه المصيبة المؤلمة.كان الجهد الذي بذله الأخ الكريم فهد ميموناً وموفقاً فحصر وجمع ما يمكن الاستفادة منه في هذا الإصدار علماً بأن ذلك في غاية الصعوبة فالفقيد -رحمه الله - في مقتبل عقده الثالث ومع ذلك استطاع بهمته العالية ورغبته الصادقة أن يجسد تلك الحقبة التي عاشها شقيقه عبدالعزيز - غفر الله له - ويوثقها بأسلوب متميز بعيدٍ عن التكلف والاتكال، وأكد على الجانب الإنساني عندما قرر أن يكون ريع هذا الكتاب لصالح جمعية إنسان الخيرية لرعاية الأيتام.
(حرصت أن يكون الكتاب فخماً ولائقاً - مع يقيني برقي محتواه - لأن أخوي عبدالعزيز - الله يرحمه - كان يحب الزين..) كانت هذه الكلمات جزءاً من حوار هاتفي دار بيني وبين الأخ أ. فهد بعد طباعة الكتاب واطلاعي عليه فكان مظهراً ومخبراً كما يقول العامة، وكان ذلك بعد إشادتي برقي إخراجه وجودة طباعته.. لقد أثرت ِفيَّ كثيراً هذه الكلمات الرنانة لأنها خرجت من إنسانٍ قد فاضت لديه مشاعر الأخوة والحب والوفاء الصادق فوصلت إلى أسمى المراتب وأعلاها، ولا أخفيكم بأن هذه الكلمات سمعتها صباح ذلك اليوم ولا يزال صداها يتردد في أذني كلما تنقلت بين صفحات هذا الكتاب الجميل.ومقدمة الكتاب التي صدر بها أ.فهد هذا العمل في تقديري ونظري - ولا أقولها مبالغة - من أفضل ما قرأت في هذا المضمار، فأسلوبها الصادق وعباراتها الرقيقة التي تلفها أسمى آيات النبل والمودة تأخذ القارئ فتسبر مشاعره داخل تلك الأجواء الأخوية الحزينة المدعمة بالصبر والاحتساب فلا يحس بنفسه إلا وهو ينساق بسلاسة بين عباراتها وأسطرها، ومن العبارات المؤثرة التي خطتها أنامله في هذه المقدمة قوله: (لقد كنت فيما مضى لا أقضي أمراً إلا وشاورت به شقيقي، وما زلت اليوم كلما هممت بالقيام بأي عمل أوشك أن أؤجله لأنظر رأي عبدالعزيز فيه، ثم أتذكر أنه قد غاب عن هذه الحياة الدنيا، فتعود إلي الأحزان وكأنه ما فارقني إلا بالأمس. وأسأل نفسي: هل يمكن أن يأتي يوم أنسى فيه هذا الألم، هل يمكن أن تعود هذه الأيام الجميلة، كما كانت؟ فأجد أن ذلك صعب أو مستحيل، فهل يمكن رأب صدع الجبل بعد أن تشقق؟ هل يمكنك بعد أن تُفَتِّتَ حجراً بيدك أن تعيد تكوينه من جديد؟ ولكني أحمد الله أن منحنا يقيناً يعيننا على الصبر إلى أن نلتقي بالأحباب في الآخرة بإذن الله تعالى. والمرء يتمنى عندما يتوفى أحد أحبابه لو كان الوقت قد أسعفه ليودعه، أو ليقول له أمراً كان يؤجله لسببٍ ما. وأكثر ما يصيبك هذا الشعور عندما تكون الوفاة فاجعة دون مقدمات كما حصل معي عندما توفي أخي عبدالعزيز - رحمه الله - في حادث أليم مفاجئ لم يمهلني أن أودعه فرغبت لذلك أن أكتب بضع كلمات أودعه بها لعلها تصله).
ويقع هذا الكتاب في 440 صفحة من القطع المتوسط مكوناً من أربعة فصول تنتقل بالقارئ بين التعازي ومشاعر الأخوة ومشاعر الأصدقاء والمحبين، مسبوقةً بالإهداء والتقديم والمقدمة التي سبق وأن أشرت إليهما في بداية حديثي معطوفةً بسيرته - رحمه الله - ووفاته، ويأتي هذا الإصدار مطعماً بعدد من الصور التي تخص الفقيد وبناته وبعض اللقطات من مراسم العزاء والتي شارك فيها العديد من الأمراء والوجهاء من هذا الوطن المعطاء.رحمك الله يا عبدالعزيز الثنيان رحمة واسعة وجعل منزلتك في الفردوس الأعلى من الجنة وجمعك بأحبابك وأهلك وأصحابك في الدار الآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.