Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/12/2008 G Issue 13215
الاربعاء 05 ذو الحجة 1429   العدد  13215

الحج في عيون الشعراء ونبضهم
وسيلة محمود الحلبي

 

لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم

لبيتٍ طهور الساحِ والعرصاتِ

أرى الناس أصنافاً ومن كل بقعةٍ

إليك انتهوا من غربةٍ وشتاتِ

تساووا فلا الأسباب فيها تفاوتت

لديك ولا الأقدار مختلفات

هذا هو الحج موسم المسلمين حيث يتعبدون ويذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، هذا هو الحج الذي ألهم الشعراء، وأوصى إليهم بأسمى المعاني الروحية، فإن تجربة الحج من أعمق التجارب التي يعيشها المسلم وأبعدها تأثيراً في وجدانه وسلوكه، ولمناسك الحج دلالات عميقة وإيحاءات عظيمة، ورموزاً كبيرة، فهناك التجرد من مغريات الدنيا والذي يتمثل بلباس الإحرام، ورفض الشر ووساوس الشيطان ومحاربتها والمتمثل في رمي الجمرات والطواف حول الكعبة المشرفة، والذي يعني حركة الحياة والإحياء حول قدسية الله سبحانه وتعالى وربوبيته، والصفا والمروة يرمزان إلى السعي الحثيث والدائب من أجل غايةٍ ساميةٍ وتحقيق هدف إنساني نبيل وعظيم. ومن هنا وجد الشعراء في مناسبة الحج مادةً طيبة وخصبة تطلق خيال المبدعين منهم، وتهز أوتار قلوبهم. فنرى الشاعر عمر بهاء الدين الأميري يتغنى بالكعبة ومكانتها لافتاً النظر إلى قدسيتها وتقديسها:

الكعبة الشماء في مذهبي

قيمتها ليست بأحجارها

والقرب من خالقها ليس في

تشبث المرء بأستارها

قدسية الكعبة في جمعها

أمتنا من كل أقطارها

وإنها محور أمجادها

وإنها مصدر أنوارها

وكعبة المؤمن في قلبه

يطوف أنى كان في دارها

حقاً إنها حالة دينية وروحية متميزة، تستثير نوازع النفس، وتستدر العواطف والمشاعر على أن تبوح وتشكو وتناجي.. لذلك فإن قصيدة الحج هي قصيدة البوح والاعتراف والمناجاة. فها هي الشاعرة علية الجعار التي كتبت الكثير الكثير عن قصائد الحج معبرة عن شوقها إليه ومتعتها الروحية فيه، وعن اللهفة والحنين الى الحج، ففي إحدى قصائدها تقول وهي تصف مشاعرها تجاه الكعبة المشرفة والأرض المقدسة:

وقفت أرقبها وكل جوانحي

تهتز في شوقٍ وفي إيمانٍ

نسيتُ ابني والخلائق كلها

وذُهلتُ عن أهلي وعن أوطاني

أما الشاعر مهدي سويدان فقد كتب في إحدى قصائده معبراً عن مشاعره الفياضة عن شعيرة الحج فقال:

طوبى لمن حج بيت الله واعتمرا

وطاف سبعاً وفي إحرامه اتزرا

يا فوز من عاد لا فسقاً ولا جدلاً

يا سعد من فمه قد قَبَّل الحجرا

وعانق الركن بالكفين ملتزماً

مناجياً من يرى ما جل أو صغرا

ونلاحظ أن قصيدة الحج تحمل ثلاثة أبعاد هي: البعد النفسي، والبعد الاجتماعي، والبعد التاريخي. ويحمل البعد النفسي كل ما يعتمل في قلب الشاعر من نوازع الشوق والحنين، ولواعج الشكوى والألم والهموم النفسية والإسلامية والآمال العريضة بوحدة العرب، أما البعد الاجتماعي فهو الذي يصور فيه الشاعر وقوف الناس في عرفات، والتقاء المسلمين في الحج بكل الأجناس والألوان تجمعهم عقيدة الإسلام والتوحيد. والبعد التاريخي هو ما مرت به الأحداث التاريخية والدينية بدءاً بنزول الوحي وامتداداً إلى الدعوة الإسلامية وانتشارها، والفتوحات الإسلامية العظيمة. وذكر الأماكن التي لها عبق تاريخي وديني خاص مثل (أم القرى- وادي القرى- نجد- الحجاز- منى- زمزم- الحطيم) فقد قال الشاعر بدوي الجبل يصف شعوره حين لم يستطع أداء الفريضة فقال:

ولو أن عندي للشباب بقية

خففتُ إليها فوق ظهر نجيبِ

أنام على الكثبان يؤنس وحدتي

بغامُ مهاةٍ أو هُمامُ ذيبِ

إلى أن يقول:

وأقعدني عنك الضنى فبعثتها

شوارد شعرٍ لم ترغ بضريبِ

أقمتُ وآمالي إليك مجدةٌ

تلف شروقاً معتماً بغروبِ

ونرى أن الشوق إلى شعيرة الحج والحرمان من أدائها يفجر براكين الشوق لديه فيقول :

وأمسكت قلبي لا يطير إلى منى

بأعبائه من لهفةٍ ووجيبِ

فيا مهجتي وادي الأمين محمد

خصيبُ الهدى والزرع غير خصيبِ

هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذا

هنا النور فأفني في هواه وذوبي

ويا مهجتي بين الحطيم وزمزمٍ

تركت دموعي شافعاً لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زينت لوعتي

وعطر أبواب السماء نحوبي

وعند وصف إعلان التوبة يقول الشاعر بدوي الجبل:

مواكب كالأمواج عج دعاؤها

ونار الضحى حمراءُ ذات شبوبِ

ورددت الصحراءُ شرقاً ومغرباً

صدى نغمٍ من لوعةٍ ورتوبِ

تلاقوا عليها من غنيٍ ومعدمٍ

ومن صبيةٍ زغبِ الجناح وشيبِ

نظائر فيها: بردهم برد محرمٍ

يضوع شذا القلب قلب منيبِ

أناخوا الذنوب المثقلات لواغباً

بأفيح من عفو الإله رحيبِ

أما الشاعر سعد عطية الغامدي فيقول في قصيدته (رحلة في مناسك الحج):

لك يا نفس في الحياة أماني

حالماتٍ في وارفِ الأفنان

ناعماتٍ يفضن حسناً وليناً

غارقاتٍ في مترفِ الألحان

هن أبهى من الجمال وأندى

من صباحٍ أغر في نيسانِ

لكِ طيب المنى وسيف المنايا

هو أدنى إليكِ من كل دانِ

فاستفيقي من السبات ولبي

خير داعٍ واستبشري بالأذان

إلى أن يقول:

وإليكِ الميقاتُ فاستقبليه

في خشوعٍ وأقبلي في أمانِ

إن في الحج لو علمتِ انعتاقاً

وانطلاقاً من ربقةِ الأطيانِ

وشموخاً على مفاتن أدوتْ

بشقي.... ذي غفلةٍ وسنان

فاخلعي كل زائفٍ من لباس

وادخلي في حقائق الأكفانِ

واطرحي كل رغبةٍ في حطامٍ

واجنحي في الرجاء عن كل فان

من هنا تبدأ الحياة ائتلاقاً

وارتقاءً في موكب الإيمان

من هنا تخفق الجوانج شوقاً

للقاءٍ معطرٍ مزدانِ

وقد وصف في هذه القصيدة الميقات كما في القصيدة التي ذكرتها آنفاً ثم التروية ثم عرفات فمزدلفة فأيام التشريق فقال واصفاً ذلك في عرفات:

نفس سيري بنا إلى عرفاتٍ

في انكسارٍ وطافي في هوانِ

فإليها ينازع الشوق شوقاً

وعليها تُجلَى صنوف المعاني

وعليها تصفو المشاعر حباً

وإخاءً في موكب الإخوانِ

وعليها تعنوا الوجوه اشتياقاً

وتدين الرقاب للديانِ

وعن مزدلفة يقول:

آذنت شمس يومنا برحيلٍ

فأفيقي لجمع في إذعان

واسكبي كل دمعة حبستها

عنوةً عنك قسوة الأجفانِ

ولدى المشعر الحرام أطيلي

وقفة الذكر والنجاوى الحسانِ

ها هنا برزخ الرجاء أضاءت

شاطئيه بشائر الغفرانِ

وعن أيام التشريق قال:

وغداً تحتفي منى ببينها

من جديدٍ وتحتفي المروتانِ

في غدٍ تذبح القرابين ذكرى

لغداءٍ الخليل ذي البرهانِ

قام لله والذبيح لرؤيا

صدقاها فاستقبلا يصدقان

لن ينال الإله منها دماء

أو لحوم. بل صادق الإيمان

في غد ترجم الجمار ويهوي

كل رجس وباطل وافتنان

ذاك يوم على الزمان عظيم

ذاك يوم الفداء والقربانِ

طاعة إثر طاعةٍ ونوالٌ

من نوالٍ في منهج الرحمانِ

أما الشاعر فؤاد شاكر فيقول في قصيدته الحج إلى بيت الله الحرام:

أهلت بأفواج الحجيج المواكب

وخفت إلى البيت الحرام المناكب

تدانت بهم من كل صقعٍ محافل

وفاضت بهم من كل حدبٍ نجائب

مشاةً وركباناً على كل ضامرٍ

فمن كل فجٍ أدرك الحج طالب

ويهفو قلب الشاعر محمد عايش عبيد إلى الحج فيقول:

قلبي إلى البيت العتيق يحن شوقاً كي يراه

تأتي شهور الحج يبغي أن يطير إلى رباه

ليطوف بين الطائفين مهرولاً تعدو خطاه

ويقبل الحجر الذي تقبيله عز وجاه

إذ تنحني الهامات عند الاستلام مع الجباه

ونجد الشاعرة علية الجعار تقول في رحاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

سأذهب حيث النبي الحبيب

وأشكو له كل أوجاعيه

وهرولت نحو مقام الحبيب

كطفلٍ أتى أمه الحانية

فحبي له في دمي، في فؤادي

وفي أعمق أغوار أعماقيه

أحقاً أنا في رحاب الرسول

أحقاً ظفرتُ بأحلاميه

وبعد...

فهذا هو الحج وهذه هي الفريضة العظيمة المقدسة ألهمت الشعراء وجعلتهم يعبرون عما يشعرون به تجاهها رزقنا الله وإياكم حج بيت الله الحرام.. وبورك بمن حج دون رفث أو فسوق.

- كاتبة ومحررة صحفية

فاكس 2317743

wasilah@maktob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد