ثمة شعور عام لدى جمهرة من العاملين بمؤسسات الدولة المختلفة والذين يخضعون لنظام الخدمة المدنية وجدول أجور العاملين حسب مستوياتهم الوظيفية ودرجات السلم الوظيفي، بأن هذا الجدول في حاجة لمراجعة وإعادة نظر ليتناسب مع واقع الحال، ومع ارتفاع مستويات المعيشة اللامنطقي واللاواقعي واللاموضوعي واللامتوازٍ.
وكم يؤدي هذا الشعور إلى القلق النفسي والتور نتيجة عدم الوفاء بمتطلبات الموظف وما يعول وعدم سدّ الحاجات الأساسية له ولأسرته مما يدخله في دائرة عدم الرضا الوظيفي أو المهني كما ستتضح آثاره السلبية على الإنتاجية فيما بعد.
ولنضرب مثلاً ولن نعلق عليه.. سنترك التعليق لديوان الخدمة المدنية ولقطاع شؤون الموظفين وللعاملين أنفسهم في قطاعات العمل المختلفة.
والمثال: هل من المعقول أن حجم إنفاق الأعزب يساوي حجم إنفاق المتزوج الذي يعول.. ألم تكن الأعباء في هذه الحالة متباينة؟
إن الموظف في المرتبة الرابعة أو الخامسة لا يتعدى مرتبه (4000 ريال) سواء كان أعزب أو متزوجاً غير أن المتزوج بحاجة إلى أن يحصل على إعانة زواج قدرها (800 ريال) مطلوب أن يسدد منها إيجار السكن وتكاليف الكهرباء والمياه والغاز، وقسط السيارة والوقود والرعاية الصحية للزوجة فضلاً عن احتياجاتها الشخصية... إلخ، وفي حالة الإنجاب كذلك يفترض أن يحصل الموظف على إعانة أولاده قدرها (500 ريال) لكل مولود حتى (4 أولاد) ثم تتوقف الإعانة وإن أنجب أكثر من ذلك فمجاناً أو عليه أن يتقاسم إعانة إخوته الذين قبله.
إن الموظف المتزوج الذي لا يأخذ مثل هذه الإعانات يكون لديه موقف مؤثر في درجة حفزه على العمل المنتج في مستوياته العليا المتقدمة نظراً لما يصيبه من إحباط نظراً لعدم قدرته على الوفاء بحاجة أهله وأولاده الأساسية.
وحيث إن الأفراد في بيئة العمل تتباين الأنماط الشخصية، والخصائص المهارية والقدرات الإبداعية والمستويات الإنتاجية، والمحددات السلوكية فيما يتصدون له من أعمال وعلاقات عمل وسلوك.. تواصل وتفاعل بيئي لا سيما وأن الأجر يُعتبر العامل الرئيس في جودة الإنتاج كماً ونوعاً سواء كان هذا العمل في القطاع الحكومي أو في امتداده بالقطاع الخاص.
وفي دراسة أجراها أحد الخبراء عن الأجر (حافز) وعلاقة بمستوى العلاقة بين (الحافز) الأجر وتحديد الظواهر السلوكية للموظف - العامل (ضعيف الأداء - متوسط الأداء - عالي الأداء).
مدى العلاقة بين (الحافز) الأجر ونسبة الغياب عن العمل.
محدودة - متوسطة - عالية
وخرجت الدراسة بنتائج غاية في الأهمية حيث أبانت:
- أن ضعف الأداء الناتج عن ضعف الحافز يُعتبر سلوكاً معوّقاً لجودة الإنتاج وحجمه، وهي مشكلة خطيرة للغاية سواء في المؤسسات الإنتاجية أو الخدمية، فإن تدني مستوى الأداء يؤدي إلى عدم تحقيق المؤسسة لأهدافها وبالتالي يؤدي إلى تقصير في إستراتيجيات التنمية الوطنية عموماً.
ويتضح من ذلك أن ثمة علاقة موجبة بين ضعف الإنتاج وتدني مستوى الأجور، مما يتطلب الاهتمام الزائد بمراجعة مستويات الأجور مع مستويات المعيشة من أجل حسن الأداء وجودة الإنتاج كماً ونوعاً باعتبار أن تدنيه ذو أثر بالغ في مخططات التنمية الوطنية كما أسلفنا القول، وهو مسؤول كذلك عن العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تنال البناء الاجتماعي وأنساقه المختلفة.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الأفقية والرأسية في محيط العمل فأهم العوامل المؤثرة فيه على الإطلاق هو نجاح الحافز في بلوغ غايتهم أي تحقيق الأجر لأغراضه في سد الحاجات الأساسية للعامل وبدون ذلك تنخفض الإنتاجية وتتأثر القيمة ولا يمكننا هنا إن برر أن الإنتاج يمكن له أن يتحسن بفعل عامل آخر غير الأجر وهو إدخال التكنولوجيا والتقنية الحديثة، وهنا نقف ونقول ومن القائم عليها ومشغلها ألم يكن الموظف - العامل.. ألم يكن هو الأساس في التشغيل وحسن الأداء وحجر الزاوية في تحقيق مستوى عال من الإنتاج وتحقيق أهداف التنمية؟
وإن كان هو الأساس في الإنتاج والتنمية.. ألم يكن هو الهدف النهائي لمخرجاتها مما يتوجب تحسين الحافز ورفع قيمته مع الوضع في الاعتبار أنه منه وإليه.
وفيما يتعلق بالأجر ونسبة التغيب عن العمل فهو مظهر من مظاهر عدم الرضا لضعف الروح نحو العمل، مما يجعله يكره العمل وبيئة العمل مع شعوره بعدم الرضا عن هذا العمل الذي يحول بينه وبين إشباع حاجاته مما يخفض مستوى الرغبة في الإقبال على العمل ويضعف حماسه للمشاركة الفاعلة وعدم اقتناعه بقيمة العمل الذي يؤديه فتفتر همَّته في القيام بالعمل.
وإزاء ذلك كله تسوء حالته النفسية مما يعيق تكيفه ويتدنى معه الحرص على الاستمرار في الأداء حيث تنخفض الروح المعنوية، وينتج عنه سوء العلاقات مع الزملاء ومع الرؤساء، وينعدم الشعور بالمسؤولية تجاه العمل فيرى في الغياب عن العمل أمراً طبيعياً.
إذن الأجر من العوامل المؤثرة في الإنتاج، وفي مستوى الكفاية المهنية، إن زيادة الأجر تُحفز لمزيد من الجهد وحسن الأداء وزيادة الإنتاجية.
وفي الختام نأمل من مجلس الشورى الموقر دراسة الأجر بالنسبة للمتزوج والأعزب.. والله المستعان.