هذا العنوان يتصدر كثيراً من الإعلانات الصحفية والذي يقوم بإعلانه عدد من المكاتب العقارية بغية الحصول على نسبة أكبر من الربح دون النظر إلى حكم هذا التعامل، لأن الهدف مادي بحت. أما عن براءة الذمة وحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فلا يوجد في قاموس تلك المكاتب المادية (العقارية).
وإني أتساءل وأسأل هؤلاء عن الفتوى الشرعية التي استندوا إليها في شراء أوامر المنح. مع أن الكثير من علمائنا يفتي بعدم جواز هذا النوع من التعامل لكونه من بيع المجهول وفيه غرر ظاهر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
وصورة الغرر تتحقق حينما يشتري أمراً لمنحة في الرياض مثلاً بمبلغ (20.000) عشرين ألف ريال وهو لا يعلم شيئاً عن مكانها والموقع الذي ستطبق فيه والزمن الذي يتم فيه ذلك فإن للموقع والزمان أثراً كبيراً في سعر العقار. ومعلوم أن الضرر سيلحق البائع أو المشتري ولكنه في جانب البائع أكثر إذا فوجئ بعد أيام بأن المنحة تم تطبيقها في موقع مناسب وبثمن مغر قد يصل في أول الأمر إلى 100.000 مائة ألف ريال، وقد يصيب الغرر المشتري في حال إذا لم يتمكّن من تطبيقها، أو طرأ ما يؤدي إلى إلغاء المنحة.
ومن هنا جاء النهي عن بيع المجهول لما فيه من الغرر على المتبايعين أو أحدهما.
وزيادة على ذلك، فإن هذا النوع من المعاملات من باب بيع ما لم يملك، فإن صاحب المنحة لم يملكها بعد. لأن ملكيته لها لا تكون إلا بعد إفرازها من قبل الجهات المسؤولة واستلام وثيقة المنح. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك)، فلم يثبت وضع اليد على هذه المنحة. وهذه صورة أخرى من صور بيع المجهول لكونه معدوماً لا وجود له. وأمر المنحة يحمل أرضاً لا وجود لها على أرض الواقع، فالغبن والغرر في هذا النوع من البيوع ظاهر.
وقد عد كثير من الفقهاء بيع ما هو معدوم لا يدري هل يحصل من البيوع المنهي عنها لما فيه من الغرر.
كما أن هذا النوع من التعامل (أعني بيع أوامر المنح) من بيع ما لا يقدر على تسليمه، فإن التسليم ليس في يد البائع لكون الأرض ليست تحت يده ولا في تصرفه ومن شروط صحة البيع: أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه. حتى وإن ادّعى المشتري القدرة على حصوله فيما بعد فإن هذه الدعوى محتملة، والقدرة على التسليم لا بد أن تكون محققة وإلا فهي من باب بيع المعدوم.
وقد اشترط بعض العلماء لجواز هذا النوع من التعامل أن يكون المشتري قادراً على تحصيل السلعة وإلا فالبيع محرّم. وأقول: إن تحصيل السلعة في بيع الأوامر مشكوك فيه. ثم إن السلعة مجهولة القيمة وقت البيع، إذ لا يمكن وصفها وصفاً ينفي الجهالة. فإن سعر الأرض يتفاوت من منطقة لأخرى حتى وإن كانت المساحة معلومة.
كما أن إجراءات المنح تقضي بأن إصدار أوامر المنح لا تعني إنهاء المعاملة وجاهزيتها لإصدار الصك (الوثيقة).
وخلاصة القول: إنه لا يجوز بيع وشراء أوامر المنح قبل التطبيق، لأن هذا النوع من البيوع فقد شرطاً من شروط صحة البيع وهو: كون المبيع معلوماً لدى المتعاقدين. والجهالة تورث الغرر، فقبل التطبيق لا يعرف موقع الأرض ولا حدودها ولا شوارعها، والموقع له أثر في الثمن. وحصول الرضا بين المتبايعين لا يجيز هذا النوع من التعامل.
فأوجه نصيحتي لأصحاب مكاتب العقار بأن يتجنبوا هذا النوع من البيوع، وفي الحلال غنية عن الحرام. ولا يكن همهم جمع المال وإنما براءة الذمة وسلامة التعامل. والورع عن الحرام فوق ذلك كله. ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.
اللهم بلّغت اللهم فاشهد.
- المعهد العالي للقضاء