Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/12/2008 G Issue 13216
الخميس 06 ذو الحجة 1429   العدد  13216
شيء من
المجتمع الريعي وثقافة العمل
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

هناك رأي متداول في أوساط المثقفين في المملكة مفاده أن البترول هو الذي حول مجتمعنا إلى مجتمع ريعي، يزعب من بئر بترول، ويعيد توزيع الريع، ليصبح المال، أو الثروة، ليس مرتبطاً بالعمل والإنتاج، وإنما بالكنز الذي كونته الطبيعة تحت الأرض؛ أي أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من استخراج هذا الكنز وبيعه والعيش على ريعه، ليصبح (الدخل) متوقفاً على (الزعب) وليس على الإنتاج والخلق والإبداع الإنساني؛ لذلك فهم يرون أن البترول قد (عطل) قيمة العمل، وشجع على البطالة بكل أنواعها، والاتكالية؛ ليصبح مجتمعنا مثل بيت كبير يقوم دخل مَن فيه على سلعة وجدوها بالمصادفة تحت أرضه، فباعوها ومن ريعها صنعوا رغدهم، دون أن يكون للعنصر الإنساني - العمل والإنتاج - أي دور في صناعة رفاهيتهم.

وهذا - في تقديري - رأي يدعمه ما نراه على أرض الواقع. كل بلاد العالم مرتبطة اقتصادياً بالعمل الإنساني الذي يقود إلى التقدم والازدهار الحضاري؛ بمعنى أن ثقافة العمل، والارتقاء بمضامينها، شرط ضرورة للدخل والثراء في كل بلاد الدنيا، بينما في المملكة وكذلك دول الخليج لا يشعر المواطن أنه في حاجة للعمل، طالما أن الثروة ليست متوقفة على عمله، وإنما متوفرة ومتاحة، سواء عمل أو لم يعمل.

في مجتمع كمجتمعنا يصبح العمل ليس له أولوية في صناعة الإنسان وتلبية طموحاته، وتصبح الأولوية لقضايا أخرى، ليس العمل والخلق والإبداع والابتكار من ضمن أولوياتها. وهذا من أهم الأسباب التي خلقت التشوهات التنموية في مجتمعنا، وأهمها ما يتعلق بقطاع العمل؛ فهناك سبعة ملايين وافد أجنبي في سوق العمل، في حين أن ملايين من المواطنين الذكور والإناث عاطلون عن العمل بمعناه الفعلي. وهذا ما أشار إليه الباحث الإماراتي الدكتور محمد عبيد غباش بالقول: (إن النظام الاقتصادي في الخليج ولّد دولة ريعية لا تفرض الضرائب والمكوس على مواطنيها، بل تقوم على عكس كل دول العالم، بالدفع لهم في دولة رفاه غير ضريبية، وعبر توظيفهم في ملاكاتها الإدارية والخدمية والأمنية)؛ لذلك فالأعمال (الحقيقية) التي يحتاج إليها البيت الخليجي لا يقوم بها القاطنون في البيت (المواطنون)، وإنما (الوافدون) إليه من خارجه.

المشكلة أن الثروة التي وفرها النفط هي ثروة ناضبة وغير مستمرة؛ وهذا يعني أن من أولى أولياتنا أن نعيد (استثمار) مداخيل هذه الثروة في إقامة مشاريع إنتاجية، قادرة على أن تحل كبديل لريع النفط بعد نضوبه، أو اختراع بديل له، خاصة وأن العمل في الغرب يجري على قدم وساق لإيجاد بدائل لهذه السلعة التي ستنضب لا محالة. ومن أجل أن نحقق هذه الغاية يجب أن نبدأ بالجانب (الأصعب) في معادلة تحقيقها وهو الإنسان. وأعني بالإنسان هنا الرجل والمرأة على السواء؛ وتذليل كل العوائق التي تحد من خلق جيل جديد يعيش (ليعمل) ويبدع ويبتكر ويغيّر واقعه المتخلف إلى واقع أكثر رقي وتحضر، لا جيل (طحلبي) يعيش ليأكل، وينتظر (الموت) في صومعة من ذهب. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد