قرأت في صحيفتنا الغالية صحيفة الجزيرة في يوم الخميس الموافق 29 من ذي القعدة خبرا مفاده أن مديري شؤون المعلمين سيناقشون آلية حركة نقل المعلمين التي شغلت وتشغل العملية التعليمية برمتها.
الذي أراه الآن وعايشته يوم كنت في وزارة التربية والتعليم أن حركة المعلمين سواء السنوية الخارجية التي تتم بين المناطق والمحافظات، أو الداخلية التي تتم داخل إدارات التعليم تسبب إرباكا لمجمل العملية التعليمية، وأول من يتأثر بها بعد الطالب المعلم نفسه؛ لأن المعلم يعيش في حالة قلق دائم وعدم استقرار مستمر؛ لأنه منذ اليوم الذي يحل فيه في المدرسة المعين فيها أو المنقول عليها يفكر في عملية الانتقال وهذا بلا شك يؤثر سلبا في أدائه التدريسي وبالتالي سوف يتأثر بذلك الطالب الذي سوف يدرسه ذاك المعلم.
ووزارة التربية والتعليم والإدارات التابعة لها قد بذلت جهودا ملموسة في بناء معايير يتم من خلالها توفير الفرص للمعلمين الذين يرغبون في الانتقال، ولكن استمرار الحركة السنوية وإعطاء الفرصة لمن لم يعمل إلا سنة واحدة في مدرسته أسهم في بروز بعض الظواهر التي أثرت سلبا في سير العملية التعليمية وأفضت إلى صعوبات ملموسة عانى منها الكثير من المديرين فضلا عن المعلمين.
ومن هذه الظواهر تنوع وتعدد المعلمين سنوياً الذين يدرسون الطلاب خاصة في مناطق الحراك المتمثلة في بعض الجهات القريبة من حدود المملكة العربية السعودية - حفظها الله - مما يجعل المدارس هناك في حالة اضطراب دائم مما يسبب أيضاً حرجا لدى مديري المدارس هناك والمتمثل في كثرة غياب واستئذانات بعض المعلمين الجدد، إضافة إلى الضغوط التي يواجهها مديرو المدارس هناك المتمثلة في إعطاء بعض المعلمين درجات عالية لا يستحقونها التي هي من أهم شروط الموافقة على نقل المعلم إلى المنطقة أو المحافظة التي يرغب الانتقال إليها، وغير ذلك من الإشكالات التي تعاني منها تلك المدارس جراء حركة النقل المستمرة كل عام.
ومن تلك الظواهر التي يعاني منها بعض المعلمين نتيجة لاستمرارية الحركة تأخره في الزواج أو تأجيله حتى يستقر في المكان الذي يرغب حط عصا الترحال فيه الذي قد يستمر لسنوات.
والذي يحدث نتيجة الحركة الخارجية يحدث مثله تماما في حركات النقل الداخلية التي تتم كل عام فمناطق الأطراف في كل محافظة تعاني المعاناة نفسها التي تمس إدارات التعليم في حدود الجهات الأربع.
والذي أجتهد وأراه ألا يسمح بالنقل من المحافظة التي يعين فيها المعلم الجديد إلا بعد ثلاث سنوات على الأقل وفق معايير تضمن جودة أدائه التي من ضمنها الدورات التدريبية التي يحصل عليها وتقادير الأداء الوظيفي التراكمية التي يحصل عليها بحيث لا يقل أداؤه التراكمي عن تسعين درجة.
وبالتالي نضمن للمعلم الاستقرار النفسي والجسمي فربما فكر في الزواج والاستقرار بعده في هذه المنطقة، وهذا بالطبع يساعد في عملية التخفيف على المدن الكبيرة ويكسب المعلم خبرات حياتية جديدة نتيجة احتكاكه وتفاعله مع خبرات مغايرة لما اعتاد عليها ويكسب المحافظة المعين فيها أيضاً خبرات مختلفة قد تسهم في عملية التطوير والنماء فيها.
ولا يعني هذا أن يمنع النقل منعا باتا إلا بعد ثلاث سنوات بل لا بد من وجود لجنة لدراسة أصحاب الظروف القاهرة - وهم في ظني قلة بل ندرة - وذلك لدراسة إمكانية نقلهم قبل إتمام المدة المقررة.
أما بالنسبة لحركة النقل الداخلية فأرى مجتهدا ألا يسمح لمعلم بالانتقال إلا بعد مضي خمس سنوات داخل المدرسة المعين فيها أو المنقول إليها للاعتبارات السابقة ولضمان الاستقرار والثبات النسبي داخل المدارس، أما بالنسبة لأصحاب الأعذار المقنعة والظروف القاهرة فيشكل لهم لجنة خاصة لدراسة ظروفهم.
وإذا ما تم ذاك فإن ذلك سيوفر جهدا كبيرا وربما كان ضائعا تبذله وزارة التربية وإدارات التعليم التابعة لها كل عام، وربما يرحل هذا الجهد ومعه جل الطاقم الإداري الكبير المنشغل بحركات النقل كل عام إلى عمليات التطوير والتدريب والتمهير التي يحتاج إليها المعلمون وتحتاج إليها الوزارة بوجه عام.
د. محمد بن شديد البشري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
albashri@yahoo.com