تابعت موضوع الاختلاط بين الجنسين المطروح للنقاش على صفحات عزيزتي الجزيرة بين فترة وأخرى، ورأيت تبايناً شديداً بين المتحاورين، فهذا مؤيد وهذا معارض، وكلاهما يورد أدلة على رأيه ومذهبه بناء على أيديولوجية معينة لمفهوم الاختلاط على ما يبدو، فبعضهم تناول ذلك من زاوية واحدة وبمفهوم شامل ومطلق. وبعضهم بمفهوم محدد ومقيد، وعلى هذا فإن مفهوم الاختلاط يتباين من شخص لآخر، وعلى ضوء مفهومه يكون رأيه بالتأييد أو الرفض، ومن هذا التباين حصل الاختلاف، وهذا راجع لعدم تحديد مفهوم الاختلاط.وقد قرأت ما كتبه الأخ الكاتب محمد آل الشيخ في زاويته (شيء من) في عدد الجزيرة رقم 13212 الصادر يوم الأحد 2-12-1429هـ حيث تطرق إلى موضوع الاختلاط، لهذا أحببت أن أبين اللبس حول مفهوم الاختلاط حسب الاستقراء والتتبع فأقول: |
مفهوم الاختلاط بمعناه اللغوي صعب قبوله مع العلم أنه هو الأصل، إلا أن بعضهم أطلق على الاختلاط ما يحصل في الأسواق العام، وفي أماكن مخصوصة، مما قد يقود إلى الخلوة، وهنا تظهر قاعدة سد الذرائع بوضوح، بخلاف اختلاط الأسواق وما شابهها، وبعضهم فهم من الاختلاط أنه الخلوة، وهذا بعيد لذا لابد من ضرورة تحديد مفهوم الاختلاط الذي ما زال عائماً - على الأقل بين المتحاورين - والاتفاق على معنى معين لدى الجميع من أهل العلم، حتى يتبلور عندها مصطلح يستطيع الكاتب أن ينطلق منه فيصدر حكمه ورأيه، وكما في القاعدة الأصولية (الحكم على الشيء فرع عن تصوره). لذا لابد من تحديد ومعرفة ماذا يعني الاختلاط، فلابد له من حد وكما هو عند علماء الأصول الحد هو: (الوصف المحيط الكاشف عن ماهية الشيء وشرطه طرد وعكس ومعنى الطرد ادخال المحدود والعكس إخراج ما عداه) ونستطيع أن نقول إن الاختلاط كالذي يحصل في الأسواق والأماكن العامة والحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لا محظور فيه، والاختلاط الذي يحصل منه خلوه مؤكدة أو يفضي إلى محرم فهو محظور، ولا نخلط بين الخلوة المحرمة ومفهوم الاختلاط فالخلوة المحرمة مرفوضة بكل حال، أما الاختلاط فلابد من التفصيل والبيان فما كان سبباً لخلوة مؤكدة أو ضرر يصيب أحد الطرفين فهذا لا يقول به أحد وكل مسلم يحذر منه، والاختلاط المأمون أينما كان لا أظن أن أحداً يمنعه لأن ليس وراءه ضرر، لذا يجب أن نتعامل مع مفهوم الاختلاط بالتفاصيل والبيان ومعرفة المراد منه، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في منظومته النونية: |
فعليك بالتفصيل والبيان |
فالإطلاق والإجمال دون بيان |
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا |
الأذهان والآراء كل زمان |
فالإجمال والإطلاق يحتمل مفاهيم كثيرة ومعاني عدة تتعدد بحسب تعدد العقول، ومصادر الثقافة لذا لابد من التحديد ومن ثم الانطلاق، وصيانة الأخلاق أولى من الالتفات إلى وثائق أو تقارير منظمات خارجية قد يكون لديها أجندات خاصة أو أيديولوجيات خفية لا تتفق مع معطيات ديننا، فلدينا من الثروات العلمية والثقافية ما يكفي، ولكن التعامل معها ووضع آليات خاصة تنسجم مع واقعنا وتتلاءم مع منظومة التطور والتقدم والحضارة المعاصرة هو المطلوب، وكما يقولون هنا مربط الفرس! |
سليمان بن صالح الدخيل الله - بريدة |
|