Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/12/2008 G Issue 13226
الأحد 16 ذو الحجة 1429   العدد  13226
أمريكا التي ستعود!
علي بن إبراهيم النملة

نشر الصديق الدكتور عبدالله الطاير كتاباً بعنوان: أمريكا التي قد تعود. وحدَّثني، وهو يهديني مشكوراً نسخة من الكتاب، أنه أثناء اختياره للعنوان كان ينوي أنْ يسمِّي الكتاب: أمريكا التي لن تعود، ولكنه تراجع عن (لن) إلى (قد) لأنه لم يُخفِ تفاؤله بعودة أمريكا.

إلى التأثير الدولي تأثيراً إيجابيّاً، وإزالة هاجس الكراهية التي فرضتها الإدارة المنصرفة، لتتساءل هي نفسُها: لماذا يكرهوننا؟ مما يوحي بأنَّ هناك فئات تصنع الكراهية، وتستغلُّ الظروف المواتية للظهور ونشر ما يصنعونه من كراهية على أكتاف الوئام العالمي المطلوب بإلحاح في هذه المرحلة من تاريخ البشرية.

لا تعالج هذه الوقفة هذا الموضوع من منطلق سياسي، فللمعالجة السياسية فرسانها المتخصِّصون خبرة ودراية ودراسة، وإنْ اعتلى هذا السلَّم من لا يجيدون الصعود، كما يتسلَّقون سلالمَ أخرى في الدين والتربية والإعلام، دون أنْ يملكوا بالضرورة أدوات التسلُّق الضرورية. وإنما تسعى هذه الوقفة إلى تغليب البُعد الفكري المقتضب في المعالجة.

هناك ارتياح معلن وواضح فيما يُقال ويُكتب لعودة أمريكا إلى التأثير الإيجابي في الساحة الدولية، بعد أنْ كانت طيلة السنين الثماني الماضية بحكم المختطفة، كما عبَّر عن ذلك بعض الذين لا يكنُّون ودّاً للإدارة الأمريكية المنصرفة، بل ربَّما أنهم لا يكنِّون ودّاً لأمريكا من حيث المبدأ.

زاد الذين لا يكنُّون ودّاً لأمريكا في تلك السنين زيادةً ملحوظة، بحيث يمكن القول إنَّ (أدبيات) هذا الموقف غير الإيجابي خلال تلك السنين زادت عنها في السنين التي قبلها. ويمكن القول: إنَّ ما كُتب سلبيّاً في هذه السنوات الثماني من كتب ومقالات منشورة في دور النشر الموثوقة يفوق الضعف عما كُتب سلبيّاً عنها في السنين التي سبقتها. أما أطروحات الإنترنت التي تفتقر إلى الموضوعية فيصعب حصرها. ولعلَّ هذا مما يجيب على السؤال الذي طرحه الرئيس المنصرف: لماذا يكرهوننا؟ رغم أنَّ في إجابة السائل نفسه مغالطة، فعقلاء الإنسانية، وهم كُثُر، لا يكرهون الديموقراطية الحقيقية لا الانتقائية، كما هو مضمون إجابة السائل!

مثار هذه الخواطر قراءة خبر في الصحافة مفاده أنَّ الرئيس المنتخب ينوي إلقاء خطاب مطوَّل في إحدى العواصم الإسلامية، يسعى فيه إلى البدء في تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي، تلك التي اعتراها الغبش لسنوات مضت. وتوجُّه الرئيس المنتخب إلى عاصمة إسلامية فيه إشارة واضحة لأهمية المسلمين في التأثير الدولي رغم مواقف بعض المسلمين التي تنزع إلى جلد الذات وتلجأ إلى عبارات الإحباط واليأس في الإسهام في البناء الدولي المعاصر، الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة وتصحيح في مسار التفكير. ومن تلك المراجعة الإعلان الصريح على مختلف الصُعُد الشرعية العلمية والفكرية والسياسية عن البراءة عن أيِّ تصرُّف يخدش سمعة الإسلام والمسلمين، مهما حمل أصحاب هذا التصرُّف من أسماء وألقاب ذات خلفية إسلامية.

خطاب الرئيس المنتخب اعتراف مبطَّن منه أنَّ أمريكا قد تعرَّضت لهبوط في السمعة طيلة الحكم الجمهوري المنصرف، حيث سيطر عليه حفنة من المفكِّرين الذين أرادوا أن تُحكم أمريكا العلمانية بالإنجيليين المحافظين أشدَّ المحافظة، بل أنْ تَحكم أمريكا العالمَ بتأثيرات سلبية فيها إملاءات ثقافية وفكرية جعلت الفرنسيين يتبنون فكرة الاستثناء الثقافي منذ سنة 1413هـ-1993م، وأيَّدتها اليونسكو بأغلبية ساحقة (185 دولة عضو في المنظَّمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة) سنة 1425هـ -2005، ولم تصوِّت ضدَّ هذا التوجُّه إلا الولايات المتَّحدة والدولة اليهودية في فلسطين المحتلة، في الوقت الذي ظهر فيه العالم أكثر وعياً واستقلالية من الحقب الماضية، مروراً بالمرحلة الاستعمارية التي سلبت الشعوب إرادتها، ومن ثمَّ يسعى هذا العالم إلى حكم نفسه، دون الاستغناء عن الحكمة السياسة الدولية، وذلك في نزوع إلى الخصوصية الدافعة. هذه الخصوصية الدافعة التي تبحث عن الحكمة قد لا ترضي بعض الناس، كما لا يرضيهم الحديث الإيجابي عن الغرب عموماً، وعن الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً.

ولا تخوض هذه الخواطر في هاجس المؤامرة التي عشعشت على كثير من العقول والأفهام، من حيث تهويل هاجس المؤامرة، لا من حيث وجودُها على أرض الواقع بالتخطيط للهيمنة ووضع إستراتيجيات لسيطرة جهة على جهات. ولا تسلِّم هذه الخواطر بالمقولات التي تُحاك إزاء وصول حاكم (غير أبيض) إلى الرئاسة في بلد سيطر عليه البيض البروتستانت تحديداً حيناً من الدهر، لم يحكم فيها الكاثوليك من قبلُ إلا عندما فاز (جون إف. كينيدي) وكان كاثوليكيّاً بالرئاسة في الثمانينات الهجرية، الستينات الميلادية من القرن المنصرم.

يُستحضر هنا أنَّ رجلاً فُكاهياً كوميدياً أمريكياً معروفًا، يُدعى (رِد فوكس) وكان أسودَ، سئل ذات مرَّة في الثمانينات الميلادية على خشبة المسرح: متى تتوقَّع أنْ يحكم أمريكا رجلٌ أسود، فأجاب مباشرة ودون مزيد تفكير أو تردُّد: عندما يكون أبيضَ!!

الرئيس المنتخب كسر عدداً من الحواجز، جعلت بعض الناس، لاسيَّما من سيطرت عليهم هاجس المؤامرة يرون أن فوزه كان مقصوداً ليجلب خيرات إفريقيا لأمريكا! ويرفضون أن يكون الوضع طبيعياً. وأنه انتصار للديمقراطية المحلية التي لا تكيل بمكيالين، كما هي حال الديموقراطية الدولية.

إنْ يكُنْ في هذا الأمر ازدواجية فهي كذلك؛ إذ إن الديموقراطية المحلية أقرب بكثير للموضوعية من الديموقراطية الدولية، حيث الانتقائية في التطبيق في الدولية. فهل تفكِّر الإدارة الجديدة في نقل مبادئ الديموقراطية المحلية التي أوصلت حاكماً غير أبيض لمقرِّ الرئاسة في بلد يحكمه البيض إلى الديموقراطية الدولية، مستفيدة من البدائل الموجودة التي وجدت قبل مبادئ الديموقراطية بقرون؟

إنَّ ما يعوَّل على الإدارة الجديدة الكثير. ولا بُدَّ من قدر من التفاؤل، لكن دون الاندفاع الزائد مع تيَّار التفاؤل، إذ ستظلُّ أفكار المحافظين الجدد تلقي بظلالها إلى حين، لاسيَّما أنها تركت أنصاراً لها ممن يسمُّونهم بذوي الرقاب الحمراء، إشارة إلى المتعصِّبين لعرقيتهم على حساب الأعراق الأخرى، إحياءً لفكرة الأمميين عند ذوي الانتماء اليهودي وإنْ لم يكونوا هم أنفسهم يهوداً. ومعلوم الآن سيطرة الفكر الصهيوني على بعض الفِرق المسيحية، بحيث يمكن القول دون تحفُّظ إنَّ بعض الطوائف المسيحية في الغرب تصهينت أكثر من الصهيونية نفسها. وهذا أمر يحتاج إلى مزيد من التركيز.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد