Al Jazirah NewsPaper Monday  15/12/2008 G Issue 13227
الأثنين 17 ذو الحجة 1429   العدد  13227
اعرف حقوقك!
د. عبدالرحمن الحبيب

من حكايات العرب، أن أحد الفلاسفة وقع سجيناً، فأراد رجل أن يشتريه ويسترقه، فسأله: لأي عمل تصلح؟ فأجاب: أصلح لأن أكون حرًّا طليقا. ويعلق أستاذ الفلسفة (دي بور) (الذي نقل هذا الكلام) قائلاً: لا بد للفلسفة من الحرية..

صادف الخميس الماضي الذكرى الستين لليوم .................

العالمي لحقوق الإنسان، الذي انطلق في العاشر من ديسمبر عام 1948م، عندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الأمم المتحدة ووثيقته الدولية التي وقعتها 48 دولة، لتتأسس قيم جديدة إضافة للقيم الإنسانية السابقة.. وقد ركزت المادة الأولى على التأكيد على الحرية والمساواة والكرامة لكل البشر، كما جاء في نصها: (كل البشر يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق ويتمتعون بالعقل والمشاعر، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الأخوة.).

ولم تقتصر المواد على الحقوق العامة بل تناولت حقوقاً جديدة وأكثر تفصيلا، أو ما يسمى الجيل الثاني من الحقوق، مثل ما نصت عليه المادة 28 في أن (كل إنسان له الحق في نظام اجتماعي ودولة يمكن أن يضمن فيها كامل حقوقه الواردة في هذا الإعلان). وبذلك أُرسيت حقوق مثل الضمان الاجتماعي في العمل والحماية من البطالة، وفي مستوى معيشي ملائم لصحة الإنسان ورفاهيته وراحته..

وقد تنامى عدد الدول الموقعة تباعاً، كما تنامت مواد الوثيقة بظهور وثائق أخرى أكثر تفصيلا وأكثر تنويعاً.. ففي عام 1966م تم تأكيد الحقوق في تقسيمها إلى وثيقتين: الأولى للحقوق المدنية والسياسية؛ والثانية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووقعته 130 دولة. وفي عام 1976صدقت الأمم المتحدة ممثلة بـ 155 دولة على هاتين الوثيقتين وأهابت بالأعضاء الالتزام بها، وأصبح للوثيقتين قوة إلزامية للدول الأعضاء.. وإلى يومنا هذا لا تزال المواثيق الدولية تتوالي، ومن آخرها قانون روما لمحكمة الجرائم الدولية، والتي أصبحت سارية المفعول عام 2002م.

ولم تعد الحقوق مشروطة بتنازلات أو قابلة للانتزاع، فهي ليست مكافأة من أحد إلى أحد، بل حق لكل إنسان بغض النظر عن عرقه أو دينه أو طبقته أو هويته أو أية صفة مميزة أخرى.. لذلك تُعرَّف الحقوق بأنها (مجموعة القواعد التي تضمن حقوقاً للفرد دون تقديم تنازلات من جانبه أو إهانة له.).. كما أن هذا الحق مرتبط بالواجب، بمعنى ما يمكن اعتباره حقاً لشخص ما يشكل واجباً على الشخص الآخر، أي أن الفرد له حقوق أساسية كإنسان، وعليه واجبات احترام حقوق وحريات الآخرين.

وإذا انتقلنا من الإطار الدولي إلى الإطار المحلي، فنجد أن حقوق الإنسان تطورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة سواء بالتصريح بتأسيس جمعية مستقلة لحقوق الإنسان وبإنشاء هيئة حكومية خاصة بحقوق الإنسان، أو بتطوير الجهاز العدلي والقضاء عبر تحديث أنظمة أو إصدار أنظمة جديدة كأنظمة الإجراءات الجزائية وأنظمة المحاماة والمرافعة وتطوير السلك القضائي عموماً..

ومن الناحية الاجتماعية هناك حراك أيضا، فمثلاً تم تشكيل لجان حديثة، مثل لجنة الحماية الاجتماعية لكل منطقة من مناطق المملكة، تابعة للإدارة العامة للحماية الاجتماعية، إضافة إلى تنامي الجمعيات الأهلية والمدنية المعنية بحقوق فئات المجتمع والأسرة، مثل برنامج الأمان الأسري والمركز الخيري للإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية..

والمناسبة العالمية لحقوق الإنسان تستدعي العديد من الأسئلة والوقفات.. لعل أهمها ما يردده البعض بأن ما ذكر عن المنظمات الدولية والمحلية هو كلام جميل، ولكننا لا نزال نرى خروقات وحقوقا تنتهك، دون أن نجد حماية للضحايا!! مثلاً المرأة التي تتعرض للعنف الأسري خاصة من الزوج، من الذي يمكن أن يحميها.. وكذلك من يتعرض للحرمان من التعليم أو العمل أو أية مصادرة لحق من حقوقه..

الإجابة النظرية سهلة قانونيا، فمن يتعرض لانتهاك حقوقه فعليه الذهاب للجهات المختصة ورفع شكوى بذلك، ولكن الإجابة الواقعية ليست سهلة في مسائل قد لا يسهل إثباتها، أو في مسائل يعتقد أو يتوهم الضحية أن لا أحد يحميه بها، أو في مسائل يعتقد المتضرر أن أنظمتها مجرد حبر على ورق، أو في مسائل لا يعرف فيها الضحية أنه ضحية ولا الجاني أنه جانٍ، أي لا يُعرف أنه تمت مصادر حق من حقوق الإنسان، كمن يصادر حق ابنه أو ابنته في التعليم أو العمل..

كذلك هناك مسائل ظهرت لها أنظمة حديثة لم يتم استيعابها بعد، خاصة أننا نشهد في السنوات الأخيرة تحولات اجتماعية متسارعة وصدور أنظمة متتالية في مجال الحقوق والقضاء، تجعل كثيراً من الأنظمة الحقوقية غير واضحة وتحتاج للتوعية بها حتى في الجهات الرسمية القائمة على تنفيذها.. في مثل هذه الحالة لا بد من رفع شعار (اعرف حقوقك!) وهذا يتضمن معرفة الكيفية النظامية لاسترداد الحقوق في حالة مصادرتها..

يمكن تنمية الثقافة الحقوقية عبر عدة مسارب منها التوعية الإعلامية والتربوية وإقامة الندوات، ودعم بناء مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية.. إضافة بطبيعة الحال إلى الدور المباشر لمكاتب المحاماة والاستشارات القانونية. كما يعد الإنترنت أحد أهم الأدوات التي تتحقق من خلالها المعرفة القانونية. كذلك فإن إجراء أبحاث على الظواهر الاجتماعية المرتبطة بإهدار الحقوق، خاصة حقوق المرأة، تعتبر أحد الروافد للثقافة القانونية.. وهنا تنبع أهمية تدريس الأنظمة والقوانين وفلسفتها في الجامعات والمعاهد ومدارس الثانوية، وربط هذه المواد بالواقع المحلي وبالنصوص والمواثيق الدولية.

معرفة فلسفة الحقوق وإدراك روح القوانين لا تقل أهمية عن معرفة الحقوق والقوانين.. فمثلاً مقولة أن الحقوق غير مشروطة بتنازلات وغير قابلة للانتزاع، لها معان عديدة، منها أن حقك في أمر ما، لا يعني أن تتنازل عن حقك في أمر آخر، مثلاً ليس من حق الزوج أن يحصل على جزء من راتب زوجته مقابل السماح لها بالعمل، إلا إذا كان بينهما اتفاق بالمشاركة فذلك ليس تنازلا عن حق بل تشارك في المصالح..

ومن معاني المقولة السابقة أن المتهم مهما كانت ضخامة التهمة، له كامل الحقوق في الحصول على محاكمة عادلة وصون كرامته، وحتى في حال إدانته وإصدار حكم العقوبة، فإن له كامل حقوق الأبرياء باستثناء العقوبة المقررة.. ومن معانيها أيضا عدم توبيخ المجني عليه أو تحميله جزءا من مسؤولية وقوع الضرر بسبب تصرف آخر غير مرتبط بالحدث.. الخ..

لقد كان الشاهد في افتتاحية المقالة أن معرفة فلسفة الحقوق تعني أنها غير مشروطة وغير قابلة للانتزاع، حتى عندما كان الفيلسوف سجينا وقام أحدهم يساومه في حريته.. ويبقى الإعلام هو مفتاح باب التوعية الثقافية الحقوقية، فالقوانين موجودة هنا وهناك، وقد تحتاج لإصلاح أو تفعيل أو إلغاء أو إنشاء، إنما دون أن نفتح الباب للنقاش والحوار والتوعية الحقوقية إعلامياً لن نتمكن من تشكيل ثقافة قانونية..



alhebib@yahoo.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6848 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد