Al Jazirah NewsPaper Monday  15/12/2008 G Issue 13227
الأثنين 17 ذو الحجة 1429   العدد  13227
نظرية دارون.. بين الإسلام والعلم الحديث
ثامر زايد العتيبي

هناك موضوعاً فريداً من نوعه لطالما شغل أذهان العلماء المفكرين لعقود طويلة وأزمنةٍ مديدة، حيث يتعلق هذا الموضوع بنظرية دارون التي قلبت العديد من المفاهيم منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر، إلا أنها في نفس الوقت أثارت موجة واسعة حولها من النقد والجدل.

ولم يكن إجماع العلماء على صحتها سبباً في انتشارها كما يبدو، وإنما كان السبب الأول وراء انتشارها هو كونها بدت في وقت كانت فيه حرب ضروس بين رجال الكنيسة والمجتمع العلمي في أوروبا، حيث إن رجال الكنيسة استناداً إلى دينهم المحرّف لا يقبلون أي نظرية أو فكرة تمسه بخدش إلا أن ذلك لم يدم طويلاً لكونه معرضاً بدرجة كبيرة للخدوش من طفل صغير فضلاً عن عالم كبير، ومما زاد من ضراوة المعركة ما يقوم به رجال الكنيسة من قتل للعلماء الذين يتجرؤون بالتفوه بنظرية تعارضه إلى أن قامت حركة العلمانية التي كانت تسعى إلى فصل الدين عن الحياة، وكان من أبرز المدافعين عنها علماء الطبيعة لما يرونه من تعارض صارخ بين الدين النصراني المحرّف وآخِر الاكتشافات العلمية آنذاك.وقد تبنى العلماء نظرية دارون كسلاح يشهرونه أمام رجال الكنيسة مُثبتين به عدم صحة ما ورد في الدين النصراني المحرّف، ومن هنا لاقت النظرية انتشاراً واسعاً إبان تلك الفترة، ولكن بعد زوال تلك الحقبة وقدوم الحقبة الجديدة المؤلفة من عدد كبير من العلماء والمعاصرة للعديد من الاكتشافات العلمية كان للعلم والعلماء فيها رأي آخر، حيث وجد العلماء أن نظرية دارون ليست سوى محض خيال لا يستند إلى دليل قطعي، ولكي أكون منصفاً لدارون نفسه وللقارئ الكريم سوف أستعرض النظرية إلى جانب أبرز الأسس القائمة عليها وشرح دارون لعملية التطور، معقباً على أبرز النقاط برأي العلم الحديث فيها.

يزعم دارون أن أصل المخلوقات كان حيواناً ذا خلية واحدة نشأ في الماء، ثم أخذت البيئة تفرض عليه عدة تغيرات في تكوينه مما أدى إلى نشوء صفات جديدة في هذا الكائن، ومع مرور ملايين السنين توارثت هذه الصفات من الآباء إلى الأبناء مما أدى ذلك إلى نشوء صفات أكثر رقياً جعلت من ذلك المخلوق البدائي مخلوقاً أرقى وأكثر تناغماً مع الطبيعة المحيطة به، وقد انتهت هذه السلسلة التطويرية بالإنسان العاقل. وتعتمد نظرية دارون على ثلاثة أسس أوردها فيما يلي:

1 - وجد دارون أن المستحاثات (الأحافير) في الأزمان القديمة ذات صفات بدائية بينما مع تقدم العصور وجد أن المستحاثات أكثر تطوراً ورقياً، وقد بنى دارون على ذلك أن تلك الحيوانات الراقية (التي عثر عليها في الأزمنة المتأخرة) قد جاءت نتيجة لتطور تلك ذات الصفات البدائية (التي عثر عليها في الأزمنة المتقدمة).

2 - وجد دارون أن جميع الأجنة متشابهة في أدوارها الأولى واستنتج بناءً على ذلك أن أصل الكائنات الحية واحد.

3 - وجد دارون أن الزائدة الدودية في الإنسان - التي أُكتشف دورها حينذاك بأنها تقوم على هضم النباتات - ليس لها عمل واضح في حياته (كما يعتقد دارون) فاستنتج أنها أثرٌ بقي من قرد لم يتطور بعد، حيث إنها تقوم بدورها حالياً في حياة القرود.

كما أنني أوردت الأسس التي يستند عليها دارون في نظريته، فيما يلي أورد أبرز النقاط التي اُنتقدت النظرية من خلالها:

1 - في البدء علم المستحاثات لا يدعي أحد بكماله، فلا يزال ينقصه الشيء الكثير، وفي حين وجود كائنات ذات صفات بدائية في الأزمنة القديمة ثم اكتشاف بعدها كائنات ذات صفات أكثر رقياً في الأزمنة المتأخرة لا يعني ذلك أن الأخيرة قد أتت كنتاج لتطور الأولى! وقد أورد بعض العلماء انتقاداً لاذعاً للنظرية، منهم الكونت دي نوي حيث قال: كل فصيلة تبدو وكأنها جاءت إلى الوجود فجأة، إننا لم نعثر على أي شكل انتقالي، ومن المستحيل أن ننسب أي مجموعة حديثة إلى أخرى أقدم.. انتهى كلامه، أيضاً ذكر الدكتور سوريال انتقاداً مماثلاً قال فيه: لا توجد هناك حلقات تربط الحيوانات ذوات الخلية الواحدة بتلك ذات الخلايا المتعددة.

2 - قد ارتكب دارون خطأً فادحاً بوضعه تشابه الأجنة أساساً لنظريته، حيث إن العلم الحديث قد اكتشف بواسطة المكبرات أن الأجنة تختلف اختلافاً كلياً من حيث التكوين والتركيب والترتيب.

3 - لا تعتبر الزائدة الدودية في الإنسان دليلاً قاطعاً على تحوله من قرد، وذلك لسببين:

أ? - قد تكون الوظيفة الحقيقية للزائدة الدودية للإنسان ليست معلومة بعد، كما أن العلم الحديث أثبت أنها تقوم بوظيفة صمام أمن ضد العنفوات في الأمعاء، وفي سياق ذلك يقول العالم أ.س. جوردريتش من جامعة أكسفورد: من الحماقة القول بأن أي جزء من جسم الإنسان لا فائدة له.

ب? - في حال إيماننا بعدم وجود وظيفة فعلية للزائدة الدودية في جسم الإنسان (حاشى لله أن يخلق شيئاً عبثا) فإننا نُأول ذلك بأننا ورثناها من الإنسان الجد الذي كان يتغذى على النباتات.

فيما مضى أخذتكم في جولة سريعة حول الأسس التي تعتمد عليها نظرية دارون، وفيما يلي أُورد شرح دارون لعملية التطور:

تبدأ عملية التطور بما يسمى الانتخاب الطبيعي الذي يتضمن موت الكائنات الضعيفة وبقاء الكائنات الأقوى وبذلك تموت الصفات الضعيفة وهذا ما أسماه دارون بالبقاء للأصلح، فيبقى حينها الكائن القوي الذي يورث صفاته القوية لذريته، ومع مرور الزمن تتجمع الصفات القوية لتكون صفة جديدة في هذا الكائن وهذا ما يسميه البعض بالنشوء. بعد ذلك يحدث الانتخاب الجنسي الذي تتزاوج فيه الأزواج القوية فتورث بذلك الصفات الأصلح وكنتيجة لذلك يتم توريث الصفات الجديدة في النسل، انتهى شرحه.

في الحقيقة لاقى هذا الشرح انتقاداً واسعاً من قِبل العلماء لا يقل عن ذلك المتعلق بالأسس، وفيما يلي غيضٌ من فيض من تلك الانتقادات:

إن بقاء الصفات القوية في الانتخاب الطبيعي لا يعني حدوث تطور في النوع نفسه وإنما يعني بقاء الصفات القوية من نفس النوع واندثار تلك الضعيفة. وقد سلم بذلك بعض العلماء تداركاً لنقطة بالغة الأهمية، وهي كيف يتم التزاوج بين الأشكال المختلفة؟ وقد قال العالم بدويرزانسكي المتخصص في الجيولوجيا النوعية: الميل إلى التناسل يضعف بين الأشكال والأنواع المختلفة بقدر ذلك الاختلاف، وليس صحيحاً أن الصفات المحسنة في فرد من الأفراد تنتقل بواسطة الوراثة، انتهى كلامه.

وإلى جانب مخالفة علم الوراثة لنظرية دارون فإن التجربة لها دور في مخالفته، حيث إن المسلمين واليهود يختتنون منذ قرون طويلة ولم نجد يوماً طفلاً منهم وُلد مختتناً!

كما يوجد العديد من العلماء ممن عارضوا النظرية وليس هناك مجال لذكرهم جميعاً ولكن نذكر منهم كريس موريسون رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة سابقاً حيث قال: علم الوراثة الحديث يقيم أسئلة تصعب الإجابة عليها، والاكتشافات الأخرى تجعل من عمل دارون مجرد خطوة عظيمة في سير الفكرة الفلسفية إلى الأمام، انتهى كلامه.

ومن هذه النقطة ننتقل من نظريات العلم الحديث واكتشافاته إلى فسحة الإسلام الذي تجاوز هذه العلوم جامعةً بمفاهيمه وحقائقه التي سبقت البشرية في شتى المجالات وفي مختلف العصور، وقد كان لعلماء المسلمين عدة مواقف من هذه النظرية، نوردها فيما يلي:

1 - قال فريقٌ من العلماء إن النظرية تستعرض الكيفية التي وجدت بها المخلوقات إلى جانب ترتيب وجودها، كما أنه لا يوجد بينها وبين القرآن تعارض واضح.

2 - قال فريقٌ آخر من العلماء إن الله خلق آدم من تراب ثم نفخ فيه من روحه وهذا مصداق لما ورد في الكتاب والسنة، فيتضح من ذلك أن أبينا آدم من الوهلة الأولى كان إنساناً، ولم يتطور من قرد كما يزعم دارون، ولسنا بحاجة إلى لي أعناق ما ورد في الكتاب والسنة لنتفق مع نظرية قد ظهر لجمع غفير من علماء الغرب بطلانها.

3 - وقال فريق آخر من العلماء إنه في حال صحة هذه النظرية فإنها تنطبق على جميع المخلوقات عدا الإنسان.

وعلى سياق الفقرة الثالثة لدي ما أفضي به، رأي مختلف قليلاً حول ما وجده دارون من بقايا إنسان شبيه إلى حد كبير بالقرد، ورأيي أن تلك بقايا أهل السبت من بني إسرائيل الذين ذُكروا في القرآن وقد تركها الله ليجعلها لمن بعدهم آية، وقد قال ربنا عز وجل عنهم مخاطباً بني إسرائيل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(سورة البقرة 65).

- طالب الدراسات العليا - كلية العلوم - جامعة الملك سعود



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد