Al Jazirah NewsPaper Monday  15/12/2008 G Issue 13227
الأثنين 17 ذو الحجة 1429   العدد  13227
الانتقادات الموجهة لمنظمة التجارة العالمية
د. أحمد العثيم

إن منظمة التجارة العالمية هدفها النهائي تحرير الاقتصاد العالمي أمام السلع والخدمات ورؤوس الأموال والتقنيات والتي أدت إلى تغيير مفاهيم التنمية والثروة والموارد الإنتاجية والندرة ودور الدولة ومفاهيم السيادة الوطنية كل ذلك أدى إلى وجود انتقادات كثيرة من دول غنية وفقيرة نامية ومتقدمة.

1- الانتقادات الاقتصادية والمالية:

أ - الاهتمام بالمصالح التجارية على حساب التنمية:

حيث يؤخذ على منظمة التجارة العالمية أنها لا تهتم بالتنمية الدولية أو التغيير الهيكلي للاقتصاد في مقابل المصالح التجارية وعدم الوضوح في أثر تحرير التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية في رفع معدل النمو وأثره في تغيير هيكل الناتج القومي، حيث من الممكن أن يكون لتحرير التجارة أثر إيجابي بالنسبة لمعدل النمو وأثر سلبي على التنمية، حيث إن منظمة التجارة تدعو إلى حرية التبادل التجاري وبالتالي رفع الحماية مما يؤدي إلى انخفاض معدل التصنيع ويعرض الصناعات الناشئة إلى منافسة شرسة من قبل الشركات الكبيرة ،كما أن الزيادة الناشئة في نمو الناتج القومي نتيجة تحرير التجارة هي زيادة مؤقتة ولا تؤدي إلى تغيير الهيكل الإنتاجي.

وعلى الرغم من ذلك ترى منظمة التجارة العالمية أن قوانينها لحرية التبادل التجاري تهتم بالمصالح التنموية وأن النظام التجاري قائم على أن التبادل الحر يهيئ المناخ المناسب للنمو والتنمية، حيث إن الاتفاقيات تحوي الكثير من المعاملات التفضيلية للدول النامية بإعطائها فترات سماح انتقالية لتهيئة أوضاعها الداخلية.

ب - الأخذ بمبدأ التبادل الحر مهما كان الثمن.

حيث إن تحرير تجارة السلع مع إلغاء الدعم الذي كانت تمنحه الدول المتقدمة للسلع الزراعية سيؤدي إلى عواقب كثيرة للدول النامية التي تعتبر السلع الزراعية ذات أهمية في قائمة وراداتها نظراً لارتفاع أسعارها بعد إلغاء الدعم بالإضافة إلى أن تحرير تجارة السلع سيؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على هذه الإيرادات التي تشكل نسبة كبيرة من حصيلة إيراداتها. بالإضافة إلى ذلك فإن السلع التي تتمتع فيها الدول النامية بقدرة تنافسية عالية كسلع المنسوجات لا تزال الدول المتقدمة غير متحمسة لتحريرها بالمقارنة مع سلع أخرى لا تعتبر ذات أهمية بالنسبة للدول النامية.

وعلى صعيد تجارة الخدمات لم تراع منظمة التجارة انعدام التوازن بين حجم قطاع الخدمات في الدول المتقدمة وحجمها في الدول النامية، حيث إن قطاع الخدمات مرتبط بالمصالح الإستراتيجية في بعض الدول النامية.

ولكن ترى منظمة التجارة العالمية أن ما يتم وفق مبدأ تحرير التبادل من سلع وخدمات يتوقف على رغبة كل دولة في التفاوض عليه وأن أحد مبادئ منظمة التجارة يقوم على تقليل العقبات الحمائية وتحرير التبادل أما فيما يتعلق بحجم تخفيض ورفع الحواجز فإنه يتوقف على الدول المفوضة.

ج - تحرير الاستثمار لصالح شركات الدول على حساب مصالح الدولة الوطنية:

حيث ترى الدول النامية أن حرمانها من وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية دون إلزام الشركات متعددة الجنسيات من فرض أسعار احتكارية، حيث إن إلغاء القيود على الاستثمارات مطلب موجه إلى الدول النامية وتصاحب عملية تحرير الاستثمارات أزمات مالية مكلفة مثل (أزمة المكسيك 1994 - ودول جنوب شرق آسيا 1997 - والبرازيل وروسيا وآسيا 1999) وتنجم عنها مخاطر كثيرة منها:

1- المخاطر الناتجة عن التقلبات المفاجئة في رأس المال.

2- مخاطر المضاربات المدمرة.

3- مخاطر هروب الأموال الوطنية.

4- إضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة النقدية والمالية.

ولكن ترى منظمة التجارة العالمية أن تحرير الاستثمارات يؤدي إلى سد الحاجة إلى رأس المال وزيادة رصيد العملات الأجنبية واقتناء التكنولوجيا الحديثة وزيادة الكفاءات الإدارية وفتح أسواق العمل وزيادة إيرادات الدولة.

2- الانتقادات المتعلقة بسير عمل المنظمة.

أ- الدول النامية مجبرة على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

حيث إن الدول النامية وقّعت على الاتفاقية تحت التهديد بتحملها مسئولية فشل المنظمة وما سيترتب على ذلك من وجود حروب اقتصادية بين الدول الكبرى والدول النامية وقد وقّعت الدول النامية على اتفاقيات منظمة التجارة تحت مجموعة من المخاوف منها ما يتعلّق بتحملها مسئولية الحروب الاقتصادية ومخاوف تتعلّق بالنصوص فنصوص الاتفاقية تحوي الكثير من الشرح والتعليق بالنسبة للدول النامية وهناك مخاوف تتعلّق بتنفيذ البنود المتعلقة بالدول النامية والدول الأقل نمواً ومخاوف تتعلّق بحرمان الدول النامية من المساعدات في حالة عدم التوقيع.

وعلى الرغم من ذلك نجد أن كثيراً من الدول النامية ترى أنه من الأفضل لها أن تكون جزءاً من المنظمة بدلاً من أن تكون خارجها وأسباب ذلك إيجابية أكثر منها سلبية فالأسباب الإيجابية لدخول المنظمة يرجع إلى مبادئ المنظمة كمبدأ عدم التمييز ومبدأ الشفافية وبالانضمام للمنظمة فإن الدول النامية سيعود عليها بالفائدة بعدد من المزايا التي يتفق عليها أعضاء المنظمة فيما بينهم، كما أن انضمام الدول النامية للمنظمة يتيح لها تكوين التكتلات فيما بينهم مما يقوي من قدرتها التفاوضية.

ب - عدم تأثير الدول الصغيرة في المنظمة:

حيث ترى منظمة التجارة العالمية أن الدول الصغيرة ستكون أضعف في ظل غياب المنظمة كما أن المنظمة تقوي من قدرة الدول الصغيرة على التفاوض وإحراز المكاسب ولكن الدول النامية ترى أن آلية التفاوض في المنظمة تعتمد على القدرة الاقتصادية للدولة، حيث إن التفاوض يتوقف في الأساس على الكفاءات وعدد الخبراء فنجد أن الدول المتقدمة ترسل عدداً كبيراً من الخبراء في مؤتمرات منظمة التجارة العالمية (أمريكا أرسلت 260 خبيراً في مؤتمر سياتل) بينما الدول النامية تعاني نقصاً في الخبراء وغير قادرة على تحمل أعباء إقامتهم وحتى في الحالات التي تملك فيها الدول النامية للخبراء الذي يدافعون عن مصالحها فإن هذه البلدان تتعرض لضغوط من جانب الدول المتقدمة من أجل تغيير هؤلاء الخبراء أو استبدالهم بحجج واهية مثل اتهامهم أنهم مشاكسون أو أنهم يعرقلون سير المفاوضات.

ج - عدم الديمقراطية في اتخاذ القرارات داخل المنظمة:

حيث أصرت الدول المتقدمة على أن يتم اتخاذ القرارات بناءً على إجماع الآراء بيد أن الدول النامية ترى أن التصويت هو أفضل الطرق في اتخاذ القرارات وكان هناك خلاف دائم حول هذا الموضوع إلى أن تم التوصل إلى أن المنظمة إذا لم يتم إتفاق آراء أعضائها بالإجماع فسوف يتم الاعتماد على التصويت وعلى الرغم من ذلك تصر الدول المتقدمة على عدم تنفيذ ذلك، حيث تتخوّف الدول النامية من عدم موافقة الدول المتقدمة كلما كانت القرارات في غير صالحها متحججة بعدم توافق الآراء.

د - هيمنة الأقطاب الاقتصادية الثلاثة الكبرى على منظمة التجارة العالمية، حيث تلعب مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دوراً كبيراً في سير المفاوضات والمؤتمرات فإذا اتفقت مصالح الدول الكبرى تنجح المؤتمرات والمفاوضات ويتم إهدار مصالح الدول النامية.

3- انتقادات اجتماعية.

حيث إن منظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها قد أسهمت في تركيز الثروة في أيدي الأغنياء مع زيادة الفقر والجهل والمرض والبطالة في أغلبية الدول النامية فقد قامت منظمة التجارة العالمية بفتح أسواق جديدة للشركات عابرة القارات والدول على حساب الاقتصاد الوطني للدول النامية، حيث إن الدول النامية تربح ما بين 162 مليار دولار إلى 265 مليار دولار سنوياً من عائدات التصدير نتيجة لتطبيق اتفاقيات دورة أورجواي في حين أنها تدفع ما بين 145 مليار دولار و292 مليار دولار نتيجة الزيادة في تكلفة الغذاء نتيجة رفع الدعم على المواد الغذائية والزراعية، وهو ما ينعكس سلباً على الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً.

4- انتقادات بيئية (أيكولوجية)

حيث فتحت منظمة التجارة العالمية أسواقاً جديدة للشركات متعددة الجنسيات على حساب البيئة ولكن منظمة التجارة العالمية تؤكد على الاستخدام الأمثل للموارد البيئية والاهتمام بالتنمية المستديمة والبيئة، حيث تنص المادة 20 من الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة بأن تتخذ الدول الأعضاء الإجراءات الضرورية لحماية وصحة وحياة الأفراد والحيوانات والنباتات.

ولكن على الرغم من ذلك فإن الشركات الكبرى والدول المتقدمة تهتم بالمصالح الاقتصادية والتجارية على حساب البيئة معتمدة على آلية حرية التبادل التجاري.



E_mail:asa5533@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد