Al Jazirah NewsPaper Monday  15/12/2008 G Issue 13227
الأثنين 17 ذو الحجة 1429   العدد  13227
الطريق إلى عقل التلميذ يكون عبر قلبه
محمد إبراهيم فايع

طلابنا في مرحلة الصفوف الأولية يمتازون بالرغبة في التعلم ولهذا فهم يتفاعلون مع المعلم بسرعة في الترديد القرائي والمشاركة في أنشطة السبورة على صغر أحجامهم وأعمارهم الصغيرة وقلة تجربتهم ويمتازون بالحركة والفطرة السليمة والتسابق نحو الإجابات مع المعلم، قد ينمو هذا النشاط وهذه الحركة وتلك الرغبة في التعلم إذا وجد طلاب الصفوف الأولية معلماً راغباً لعمله، مدركاً لرسالته عاشقاً لمهنته صبوراً على مشاق التعليم وصعوباته. ومع الأسف قد يخبو هذا النشاط وتضمحل هذه الرغبة وتذبل مشاعر الفرح عندهم إذا وجدوا معلماً لا يعرف سوى العنف وغير مدرك لدوره، ويرى أنه مجبر على العمل وغير مرتاح فيه، لهذا فطلاب الصفوف الأولية يحتاجون إلى معلم يتحلى بالصبر ولا يتعجل نتائج تدريسه عليهم، معلم يأخذ بيد الضعيف منهم لمساعدته وتفهم ظروفه، معلم يدرك بأن النشاط الحركي عند بعضهم يمكن أن يستثمر في التعلم وأن الهدوء الذي يزيد على الحد المعقول عند بعض التلاميذ إنما يخفي خلفه مشكلات تستدعي أن يحاول المعلم التعرف عليها حتى يتمكن وفق أساليبه التربوية أن يخرجهم من حالة الهدوء المرضي إلى حالة النشاط الإيجابي الذي ليس فيه إفراط في الحركة أو الهدوء.

مما أتذكره في مجال العمل أن معلما كان يهدي طلابه بعض الحلوى كأسلوب تحفيزي وتكشف لي بعد حديث طويل مع معلم زميل بأن أحد طلابه كان يعاني من السكر دون أن يكون لديه علم عن حالة الطالب المرضية، وفي موقف آخر كان أحد الطلاب يحاول الخروج إلى دورة المياه لقضاء الحاجة وقد تكرر طلبه في الحصة إلا أن المعلم رفض طلبه على الرغم من إلحاح التلميذ وبعد تدخل مني قبل المعلم شفاعتي وأخرج التلميذ الذي تحول بالنسبة لي إلى قضية رغبت في متابعتها وبعد جلسة مع المرشد الطلابي تبين لي أن التلميذ يعاني من ضعف في التحكم في التبول وهو يدرس في الصف الأول، الأمر الذي استدعى مني طلب حصر كل طالب يعاني من حالة مرضية ثم تعميمها على معلمي المدرسة ليحددوا أسلوب تعاملهم مع كل الطلاب بصفة عامة وأصحاب الحالات بصفة خاصة وهذا يجعلني أعيد التذكير بأن كل معلم مرشد وكل مرشد معلم.

كم من الطلاب يعانون حالات مرضية أو نفسية بسبب ما يعانون من مشكلات أسرية ويكون لها انعكاسات على تحصيلهم الدراسي دون أن يعرف المعلم شيئا من تلك الأسباب فيظل يطلب من كل طلابه واجبات منزلية مكثفة ويعاقب عندما يلحظ قصوراً دراسياً، وقد يكون أحد الطلاب ممن قصروا أو أخلوا بأداء الواجبات المنزلية يلاقي معاناة أسرية نتيجة وجوده داخل أسرة متصدعة بسبب المشكلات الأسرية أو بسبب طلاق الأم أو لأن الأب مدمن مخدرات أو بسبب موت أحد الأبوين أو كليهما.

فمن الأهمية بمكان أن يكون المعلم ملماً بحالات وظروف طلابه وأن يكون قد خطط في أساليبه وطرائقه التدريسية في أن يعطي كل طالب حقه من التعليم المناسب وهذا أبسط معاني الفروق الفردية، ومن أهم مهارات المعلم البارع الذي يريد تحقيق أهدافه باقتدار.

لهذا فلدينا قاعدة تعد ذهبية خاصة عند طلاب المرحلة الأولية وهو أن الطريق إلى عقل الصغير يكون عن طريق قلبه بمعنى أنه لا يمكن للمعلم أن يقصر هدفه على إعطاء العلوم والمعارف دون أن يأخذ في حساباته أهمية الاعتناء بعواطف تلاميذه واتجاهاتهم ورغباتهم، وهذا يجعلني أتوقف عند نقطة مهمة وهي أن أغلب المعلمين يهتم بالأهداف المعرفية فقط ويغفل عن الأهداف الوجدانية التي تأخذ حيزاً كبيراً في شخصية الطالب الذي يريد ابتسامة رضية من معلمه أو كلمة محفزة أو تشجيعاً بأي أسلوب كان أو سؤالاً عن أحواله، حتى يمكن للمعلم أن يغرس بداخله القيم الوجدانية والقيم الإيمانية بكل تقبل وتهيئة كاملة من الطالب حتى يشعر بأنه أثير لدى معلمه قريب منه إلى حد كبير لأنه يسأله عن أخباره ويشبع حنانه، لذا ومن خلال ما قدمت ندرك أهمية اختيار من يعلم في الصفوف الأولية، وأنا أريد أن أحدد سمات خاصة نسأل فيها من معلم الصفوف الأولية الذي نريده أو يريده طلاب هذه المرحلة؟ لأن الجواب سيطول وتطول سطوره ولكن من الأهمية بمكان أن لا يسند مدير المدرسة تعليم المرحلة الأساسية لأي معلم ما لم يكن لديه شيء من الصبر والشعور بالأبوة والحنو والإبداع، وأمر أهم أن يكون لدى مشرفي هذه المرحلة برامج تختص بتمهير معلمي هذه المرحلة على كيفية التعامل مع طلابها وعلى الإلمام بخصائص النمو النفسي ومهارة أو فن الاتصال الفعال، وفي هذا أتذكر أن أحد معلمي المرحلة الثانوية أبدى اعتذاره من الاستمرار في تدريس طلاب الصفوف الأولية لعجزه عن إدارة صفه وعبر عن صعوبة العمل مع طلاب الصفوف الأولية لأنهم يحتاجون إلى صبر وتفهم.

فتدريب المعلمين على الأساليب التربوية لا يقل أهمية عن تدريب المعلمين على أساليب التدريس إن لم تكن أهم، وذلك من أجل إشعار المعلم بأن مهمته تربية وتعليم وليس تعليما فقط وهو ما يقصر بعض المعلمين أنفسهم اليوم عليه، وفي النهاية ألخص أهم ما يجب على معلم الصفوف الأولية أن يقوم به ليكسب طلابه:

1 - يعلم طلابه كيف يتعلمون، كيف يفكرون، كيف يبدعون، كيف يحبون.

2 - يبتعد عن العنف بأشكاله الجسدي والنفسي ويعمل على رفع المعنويات وبناء العقول.

3 - يشارك طلابه البحث عن المعارف والعلوم ويترك لهم فرصة التفكير والحوار والنقاش.

4 - يراعي الفروق الفردية ويحيل عمليات التدريس إلى نوع من متعة التعليم الجاذبة للطلاب.

5 - يتجنب كتابة عبارات غير تربوية على كتبهم أو في دفاترهم قد تترك آثاراً سلبية عليهم.

6 - يستخدم التعزيز والتحفيز وينوع في استخدامها وأساليبها التي تعزز التفاعل الإيجابي وتشجع على مشاركات الطلاب ورغبتهم في التعلم.

7 - يختار الأنشطة المناسبة لطلابه التي تنمي قدراتهم وتشبع ميولهم وتثير عقولهم.

8 - يتيح للطلاب فرص التعلم التي تشعرهم بأهمية رأيهم ومشاركاته.

- خميس مشيط



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد