د. خالد السلام عليكم.
أولاً أهنئك على كتاباتك المتميزة التي استفدنا منها، ومشكلتي أنني شابة عمري 23، موظفة - الحمد الله - مشكلتي التي أحس أنها صارت أكثر من الأول أنني (حساسة) لأبعد درجة، مع العلم أنني منذ فترة طويلة كنت (حساسة)، ومع الأيام صرت أقدر أن أتخطى هذا الشيء، لكن في الفترة هذه رجعت (حساسة) أكثر من الأول، ودمعتي قريبة، أي أحد يقول لي أي شيء أتحسس منه وآخذ موقفاً، وإذا سمعتُ أي خبر حتى لو كان ما يخصني أتضايق. أتمنى أن تساعدني لأنني فعلاً تعبتُ لدرجة أنني صرت أنتبه إلى كل حركة من التي حولي، وحتى أهلي أتابع تصرفاتهم واهتمامهم بإخواني وأخواتي، ومجرد ما أراهم يهتمون بأحد أكثر خاصة أختي الكبيرة تمر على بالي المواقف السلبية التي يمكن أن تحصل بأي بيت.. تخيل يا أستاذ أنني أتذكر الأشياء والكلمات التي كانت أيام ما كنت صغيرة، وبعدها أجلس يومين متضايقة ما أريد أن أتكلم مع أهلي لدرجة أثرت على (دوامي). كلي رجاء منك أنك تساعدني وترد عليّ في أقرب وقت ممكن. ولطفاً، تعطيني أسماء كتب أقرؤها تساعدني أكثر على التعبير بشكل أفضل، وتُغيِّر من شخصيتي.
ولكِ سائلتي الكريمة الرد:
وتبقى الحساسية المبالغة فيها مشكلة الكثير من الفتيات، ومعها تتعطل القدرات وتضيق الحياة، وفي المقابل فإن قدراً بسيطاً من الحساسية ينمّ عن رقة في الطبع وعذوبة في الروح.. والأمور يا سيدتي متى ما جاوزت حدها استحالت إلى ألم وغصة وشقاء ومصدر لنفور الآخرين منا؛ فالتعامل بتلك الدرجة العالية من الحساسية يضايق مَنْ حولنا، ولا غرابة إن وجدناهم لا يحفلون بنا ولا يهمهم حضرنا أم غبنا!
ومن خلال تأملي في موضوع الحساسية وجدتُ أن مبتدأ المشكلة داخلي، وتحديداً يكمن في طريقة التفكير؛ حيث إن أجهزة (رصد التصرفات) على أهبة الاستعداد، وأصابع الملاحظة تتجه دائماً إلى المقصد السيئ في همسات الآخرين وسكناتهم وغامض حديثهم، ومعها تحمل الأمور ما لا تحتمل ويضخم الصغير! والشيطان الرجيم يجتهد في الإيقاع بين المسلمين فينزغ في روع المسلم أن فلاناً يقصد بتلك الكلمة جرحك، وذاك يقصد بتلك الحركة إهانتك، وعلى هذا فالنصيحة الأولى ألا تستجيبي للرجيم، وظني خيراً بنفسك وبمَنْ حولك.
إن حاجتك أختي الكريمة إلى ما يُسمَّى بالتقبُّل الذاتي ماسة، ويُعنَى بالتقبُّل الذاتي هو قبولك بنفسك بكل ما فيها، ومعه يكون التركيز على الجوانب الإيجابية في شخصيتك، وهي ولا شك كثيرة، ومعها ستجدين نفسك أكثر صلابة؛ فالشخص الذي لا يلحظ في نفسه إلا السيئ يحطم ذاته، وصدى هذا الفكر أنه لا يرى لها مكانة ولا قدراً؛ فيتناقص منسوب ثقته بنفسه بدرجة كبيرة، ومع هذا التناقص تزداد حمايته لنفسه من أي تصرف! وربما ظنَّ أن كل فعل موجَّه إليه، بل ويشكِّل تهديداً مباشراً لشخصه.. وهنا أسألك أيتها الكريمة: هل تقدرين نفسك؟ هل تحبين ذاتك؟ هل تثمنين إنجازاتك؟ في كتابهما (عامل اينشتاين) يقول جاك كان فيلد ومارك فينسن: إن الإنسان يستقبل في اليوم 60 ألف فكرة، وكل ما تحتاج إليه تلك الأفكار هو اتجاه تسير فيه، وهذا الاتجاه يتحكم فيه الإنسان، فإذا كان قرار الاختيار سلبياً فالنتائج كذلك، والعكس صحيح؛ لذا لا ثمة بديل من الاعتناء بالأفكار الإيجابية.
أيتها الفاضلة، دَعي الآخرين عنك، وركزي على نفسك، واعملي على تقوية داخلك؛ فهو الرقم الأصعب في معادلة النجاح.. ومما يساعد على بناء الذوات الصلبة وجود أفكار وحوار داخلي إيجابي، وكذلك التصدي لذلك الهاتف الداخلي السلبي الذي ينتقد ويقلل من قيمة الذات، والذي يسميه العالم الشهير سيلجمان (الناقد المرضي) الذي يعلو صوته ويكثر إفساده عندما لا نحب أنفسنا! فقط لا تصغي له وحاربيه بالاستعاذة من الشيطان وقطع التفكير فيه.
* عززي ثقتك في نفسك، وهي تتنامى بحصر الإنجازات واستحضار الانتصارات وإصابة أهداف متنوعة في حياتك، واستخدمي ما يسمى بـ(قضمة الفيل)، وهي تعني تجزئة المهام, فقط ابدئي وأنت واثقة من قدراتك، ومن ثم تدرجي وستجدين نفسك يوماً ما وقد حققتِ أهدافاً عظيمة لم تكوني تحلمين بها.
* من الأمور المعينة على تجفيف منابع الحساسية فَهْمك الواعي لحقيقة البشر، وأنهم وأنت عرضة للخطأ والزلل، وأننا لا نعيش في مجتمع ملائكي، ولا وجود البتة لمدينة أفلاطون الفاضلة، وكذلك التخلص من سيطرة فكرة (إن كل من حولي أفضل مني)؛ فلديك من المواهب والقدرات ما تتفوقين به جزماً على الآلاف.
* كما أنبهك أيتها الفاضلة إلى ألا تعيري الآخرين كل تفكيرك، ولا تركضي خلف مباركتهم لتصرفاتك، وتأكدي أنك لستِ محور هذا الكون بالنسبة إليهم، ولا يعنيهم كثيراً كونك أخطأت أو أصبت!
* وأخيراً يبدو أنك وخلال الفترة الماضية أكثرتِ من السحب من رصيدك في بنك (تقدير الذات)؛ لذا لا تتوقعي أن يزيد رصيدك بعد قراءة هذا المقال مباشرة؛ فالأمر يحتاج إلى صبر وجهد ووقت.. وأحسبك - بإذن الله - قادرة على تغيير الأوضاع، والأقوياء أمثالك لا يرضيهم إلا أن يرتفعوا ويتساموا ويصنعوا لأنفسهم مجداً وبصمة راسخة.
أما الكتب التي أنصحك بها فكتاب (خطوات نحو القمة) وكتاب (ارسم مستقبلك بنفسك) وكتاب (يمكنك أن تفوز)، وكلها من إصدارات جرير.
وفَّقك الله ويسَّر أمرك.