يصبح الشرف سهلاً هكذا باسم الغيرة والدين والرجولة التي تختنق بها الصدور وتُحشى بها العقول.. بكل بساطة وشموخ واعتزاز تُقذف المسلمة ويُرمى المسلم بكل دنيئة.
يردني شبه يومياً مثل ذلك بحكم وجودي على كرسي إدارة مستشفى يضم أكثر من ستمائة موظف وموظفة في مختلف الفئات والمراتب، يعملون على مدار الساعة ليلاً ونهاراً دون توقف، وكل تخصص تقريباً يجب أن يحتوي على أقسام رجالية وأخرى نسائية، منهم كبار في السن وآخرون شباب، متزوجون وعزاب سعوديون وغير سعوديين، في خضم ذلك كله يحدث الاحتكاك، كل على نيته وتربيته وثقافته.. هكذا بين فترة وأخرى وبشكل أو آخر يأتي من داخل المستشفى أو من خارجه فاعل الخير الرجل النبيل الطاهر المسلم الحق صاحب العقل الراجح المنزه من كل الأخطاء، صاحب العين الناقدة والمنصفة وصاحب التاريخ الأبيض، أقول إنه يأتي وكله حميّة ورجولة وغيرة على أعراض المسلمين والمسلمات، فلانة بنت فلان فيها كذا وفعلت كذا مما يراه جريمة في حق نفسها ومجتمعها، هكذا وبكل بساطة، وعند سؤاله عن وجهة نظره بالتفصيل تجد أنها ملاحظات واهية وأسباب سخيفة يرى من خلال ثقافته وتربيته ونظرته القاصرة وتفكيره المعاق تجاه الجنس الآخر أنه منكر يجب تغييره بأي شكل، ولم يأبه بأنه نال من سمعة مسلمة تحمل اسم عائلة وقبيلة وتنتمي إلى مجتمع لا يمكن أن يرحم صاحب مثل هذه المعلومات التي قد تتناقلها الألسن وتصل الناس بغير ما خرجت به، حتى ولو كانت تافهة أو غير صحيحة، والثمن هو انهيار مستقبل مسلمة وتشويه سمعة عائلة، والمضاعفات قد تكون أكبر من ذلك بكثير في حالة وصول المعلومة إلى ذوي تلك المرأة.
تتفاوت الأهداف التي تبرر لهؤلاء ما يفعلون، وأعتقد أن الهدف الرئيسي هو الغيرة الدينية ذات اللاحدود التي تبرر لهؤلاء ما لا يمكن تبريره لتكون هي الوسيلة الموصلة إلى كل شيء بلا عوائق، فهو يعتقد أن تغيير المنكر الذي بنظره هو فقط أنه منكر، ويكفيه هذا الاعتقاد ولو كان فيه جانب من الصحة.. أقول إنه يعتقد أنه يجب عليه لزاماً تغييره دون التفكير بالعواقب والمضاعفات التي يمكن أن تنتج من إنكاره.. ومنهم من يرى في مثل هذه المعلومات المهمة أنها قد تقربه من المدير الذي يفرح بمثل ذلك ويكون هو صاحب الحظوة والمكانة ولو كان ذلك على حساب أعراض الناس.. أو أنه يتقرب إلى الله بإرضاء أناس خارج الوسط يهمهم كثيراً وصول مثل هذه المعلومات إلى أعلى سلطة في المستشفى لتحقيق أشياء أخرى وأهداف قد لا تخطر على بال أحد.. أو قد يكون الدافع هو الانتقام لأنه حاول الحصول على شيء ممن ذكرهم، أو تمرير مصالحه من خلالهم، ولكنه عجز لسبب أو آخر فيدفعه الانتقام لمثل ذلك.. إن كل إناء بما فيه ينضح، فبعضهم لا يفكر إلا بالسيئ وقد لا يرى شيئاً طبيعياً وتلقائياً ليس له أي تفسير آخر يوحي بالفساد عند أي شخص آخر صافي النية وصحيح التفكير يمتلئ قلبه بالإيمان، ولكن لأنه يفكر بتلك الطريقة فهو يظن بالناس الظن السيئ ويتهمهم من الزاوية التي يرى هو فقط من خلالها.
تلطخ النقطة السوداء الصغيرة كل تلك الورقة البيضاء الكبيرة وتشوهها ولا يستطيع الناظر إلى الورقة إلا أن يرى النقطة السوداء.. هي كذلك المرأة ورقة بيضاء يأتي ضعيف نفس لا يخاف الله بتشويه وتلطيخ البياض والسبب هو الظنون والشكوك والاتهامات الباطلة دون تفكير بالعواقب.
حدث وأن جاءني أحدهم ليطلعني على رسالة على جهاز هاتفه النقال فيها معلومات عن نساء ورجال، ويتهمهم بأعراضهم، كل ذلك ليبرّئ موقفاً اتخذ تجاهه من قبل آخرين.. ويرى بنظرته القاصرة أن هذه المعلومات تبرر ساحته وموقفه، ولم يأبه أبداً بمصير وسمعة من ذُكرت أسماؤهم في الرسالة السيئة التي في هاتفه، وحتى لو كانت هذه الرسالة قد وصلت إليه من مصدر مجهول، كل ذلك لا يبرر له أن يريها كل من رأى في الشارع أو المستشفى حتى مدير المستشفى نفسه.. فأعراض الناس غالية لا تمتهن مهما كان السبب.
إن الزنا في الإسلام لا يثبت إلا بشروط معينة حددها الشارع الكريم، وهي أشبه ما تكون بالمستحيلة، كل ذلك للحفاظ على أعراض الناس وعدم تهمتهم بسهولة وامتهان أعراضهم.. هذا في الزنا المحرم، فكيف بالقذف؟ فما أجرأهم على القذف.. وما أرخص الأعراض في تقديرهم!!
وقفة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}سورة النور (23))
alnokhilan@yahoo.com