ينبغي للمسلمين والمسلمات جميعاً أن يكونوا على علم بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول المطر ليكونوا متأسين بهديه متبعين لسنته. وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند نزول المطر: اللهم اجعله صيباً نافعاً. أخرجه البخاري، وفي رواية لابن ماجه أنه كان يقول: (اللهم اجعله صيباً هنيئاً) قال ابن الأثير الصيب: المنهمر المتدفق، ويستحب أن يقول أيضاً: مطرنا بفضل الله ورحمته لما رواه البخاري عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر لسماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب).
قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في كتابه (تيسير العزيز الحميد) ما نصه: الاستسقاء بالنجوم نوعان:
أحدهما: أن يعتقد أن المنزل للمطر هو النجم فهذا كفر ظاهر، إذا لا خالق إلا الله، وما كان المشركون هكذا، بل كانوا يعلمون أن الله هو المنزل للمطر، كما قال تعالى: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولون الله).
الثاني: أن ينسب إنزال المطر إلى النجم مع اعتقاده أن الله تعالى هو الفاعل لذلك، المنزل له إلا أنه سبحانه وتعالى أجرى العادة بوجود المطر عند ظهور ذلك النجم، والصحيح أنه محرم، لأنه من الشرك الخفي، وهو الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أنه من أمر الجاهلية وأبطله، وهو الذي كان يزعم المشركون. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ويستحب مع نزول المطر أن يحسر الإنسان شيئاً من ملابسه حتى يصيبه المطر تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن أنس - رضي الله عنه - قال: (أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر، فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه) تعالى (قال النووي رحمه الله تعالى: معنى (حَسَرَ) كَشَف، أي كشف بعض بدنه ومعنى (حديث عهد بربه) أي بتكوين ربه إياه، ويسن أن يخرج الإنسان شيئاً من متاعه ليصيبه المطر، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان إذا أمطرت السماء يقول: يا جارية أخرجي سرجي أخرجي ثيابي، ويقول {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا}. أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وذكر بعض أهل العلم أنه عند نزول المطر يستحب الدعاء لأنه وقت إجابة لما رواه الشافعي في كتاب (الأم) بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث) وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر) أخرجه الحاكم في (المستدرك) وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وإذا المطر بغزارة وكان شديداً فخاف المسلم على نفسه أو أهله وماله فيشرع له أن يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر). رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث في (فتح الباري) المراد بالحديث الدعاء بصرف المطر عن الأبنية والدرر، والآكام جمع أكمة بفتح الهمزة وهي الجبل الصغير أو ما ارتفع من الأرض.
والظراب بكسر الظاء جمع ظرب بكسر الراء وهو الرابية الصغيرة، وأما ذكر الأودية فلأنه يتجمع فيها الماء ويمكث مدة طويلة ينتفع منه الناس والبهائم.
وأخيراً ينبغي حمد الله تعالى وشكره على هذه النعمة العظيمة ونسأله دوامها كل عام وعدم انقطاعها بمنة ورحمته سبحانه كما قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}.
ولنعلم أن تقوى الله سبحانه لها أثر كبير لقوله تعالى{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- قول تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا} أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسول وصدقت به واتبعوه، واتقوا بفعل الطاعات، وترك المحرمات، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، أي قطر السماء ونبات الأرض، قال تعالى: {وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
وأيضاً لنداوم على الاستغفار لقوله تعالى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}.
-أستاذ السنة بكلية أصول الدين بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية