Al Jazirah NewsPaper Monday  22/12/2008 G Issue 13234
الأثنين 24 ذو الحجة 1429   العدد  13234
مدينة الأحلام الفاضلة
مصطفى محمد كتوعة

أقول وقد قال من قبلي كثير من أرباب القلم ومن أهل الكلمة الصحفية الهادفة المخلصة عن مدينة الأحلام .. مدينة الحضارة والمحبة والتسامح والنظام، المدينة الفاضلة التي بنيت بسواعد رجال صادقين ومقاولين مخلصين ومواد بناء أصلية وبإشراف مهندسين وموظفين متحمسين للعمل ..جميع المواطنين يتمتعون بالصحة التامة بفضل الله، حيث يشرف على القطاع الصحي أطباء بارعون في مختلف التخصصات والعلاج والدواء للجميع، والمستشفيات للجميع دون تمييز وبدون أخطاء طبية .. في هذه المدينة لا يوجد اقسام للشرطة ولا سجون ولا محاكم ولا (وايتات نقل مياه الصرف الصحي)، المدينة الفاضلة لا يعمل بها غير أهلها، فهم من يزرع ويحصد ويسقي ويخبز ويطبخ وينكس ويغسل وينظف، الكل يعمل وفق منهج إسلامي محدّد .. جميع الأعمال في المدينة الفاضلة موزّعة ومرتّبة لا تداخل في المهام ولا اتكالية في تنفيذها ولا أنانية في احتكار العمل بمختلف أنواعه .. الكل يقوم بجميع الأعمال، فمن يعمل في الزراعة عندما يأتي دوره سوف يفتخر بالعمل في النظافة، وهكذا في المدينة الفاضلة الجميع يعمل على تحقيق المثالية في الدور المناط به فالنجاح للجميع، الفقراء في المدينة الفاضلة لا يحتاجون للتسوّل أو حتى السؤال أو التلميح بالحاجة، الأغنياء يعطون الزكاة بطريقة جعلت الفقير يتساوى مع الغني في كل شيء ... اسمحو لي بالعودة إلى الواقع من الخيال ودعوني أتحدث عن مبدأ واحد من المبادئ التي يعمل بها مواطنو المدينة الفاضلة، إنه موضوع بسيط خفيف سهل، ولكن العمل به يحتاج إلى تركيز من أجل تحقيق أفضل النتائج. المبدأ هو الدلالة على الخير، الدال على الخير كفاعله ومن دل على خير فله نصيب منه ومن دل على شر فله كفل منه، وأنت يا عبد الله تختار المسار الذي سوف تسلكه في الدلالة على هذين الأمرين، قد تكون الدلالة على المنفعة بمقابل مادي ينتفع به الدال شخصيا ًأو اجتماعياً، أو أنه يرتجي ما عند الله من الأجر والمثوبة، فتكون المنفعة العظمى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم مخلص وعقيدة نقية من الشرك والرياء، وقد يترتّب على تجاهل ما ينفع الناس أمور خطيرة تؤدي إلى ما لا يحمد عاقبته من أضرار وخيمة على الفرد والمجتمع في المال والنفس، وبالتالي يصبح المتجاهل مذنباً ومجرماً يستحق العقاب في الدنيا والآخرة، وهو كذلك من وجهة نظر جميع الأعراف والقوانين، هناك أمور كثيرة يعج بها مجتمعنا تحتاج منا وقفة صادقة في الدلالة على أبواب الخير صغيرها وكبيرها والتحذير من مظاهر الخلل، حتى وإن كانت من مستصغر الشرر. ومن أبواب الخير مساعدة شبابنا وفتياتنا على الزواج وتيسير الدعم لهم من جميع المواطنين، نعم توجد مؤسسات تقوم بهذا العمل وتحت إشراف الدولة ولكنها في اعتقادي لا تكفي، لدينا الكثير من الشباب السعودي المؤهّل والعاطل عن العمل تقوم الدولة بمساعٍ جبارة لاستقطاب هؤلاء وتوفير الأعمال لهم، ولكننا لم نوظف جميع من يحتاج للتوظيف والسبب الكم الهائل من الأجانب في المؤسسات غير الحكومية، خيركم خيركم لأهله، لدينا كم هائل من الفقراء الذين لا يسألون الناس الحافا والموظفين في القطاع الخاص والعام من أصحاب الدخول المنخفضة والذين يصنّفون من الفقراء الصابرين .. أين أهل البر والإحسان عنهم، لدينا الكثير من المعسرين والمديونين واليتامى والأرامل والمطلقات والمرضى خصوصاً في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية من غلاء عالمي لجميع أسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد الضرورية. لدينا كثير من مظاهر الخلل أقلّها أماطة الأذى عن الطريق وأمور أخرى أكبر من ذلك نحتاج إلى الدلالة عليها والتحذير من مغبة تجاهلها. إنّ النهج الإسلامي في منفعة الناس قد حدد الضوابط والأسس التي يجب العمل بها من أجل تحقيق المنفعة ودرء المفسدة، فخير الناس أنفعهم للناس ومن رأى منكراً فليغيره، وبلِّغوا عني ولو آية، وحثه عليه الصلاة والسلام وتوصيته باليتامى والفقراء والنساء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإغاثة الملهوف والمعسر وإماطة الأذى والنظافة وعدم الإسراف والرفق في جميع الأمور، بل إنّ الهدف العام والأساسي لبعث الرسول النبي الأمي سيدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم هو إتمام مكارم الأخلاق. ونحن المسلمين نعترف ونفتخر بأنّ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قد بعث هادياً ومبشراً ونذيراً فلم يترك خيراً إلا ودلّنا عليه ولم يترك شراً إلاً وحذرّنا منه فأكمل الله سبحانه وتعالى به رسالته وأكمل به الدين القيِّم وختم به صلى الله عليه وسلم الأنبياء والمرسلين، ونحن بدورنا يجب أن نقتدي به في الدلالة على الخير للبشرية وكذلك التحذير من الشرور والفتن والتمسك بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون لنا الريادة والسبق في قيادة العالم إلى الخير والفلاح وتحقيق المنفعة بشرط حذف الكسل والتهاون من حياتنا. وإنني أهيب بكم إلى البدء في تفعيل مبدأ الدلالة على الخير فمن عنده فضل فهو من عند الله ويضاعف الله لمن يشاء، وأيم الله إنّ في ذلك كل الخير لنا وللعالم أجمع، لندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة .. ليكن طريقنا في الدلالة على الخير وفق منهج إسلامي مدروس نرتب به الأولويات ونحقق المعادلة التي وصل بها الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى مرتبة خامس الخلفاء الراشدين والمعادلة التي وصل بها الإسلام إلى الصين وإندونيسيا واليابان. الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن لهذا الزمان الذي نعيش ونتعايش فيه مع متغيرات كثيرة فنحن أعلم بشؤون حياتنا المعاصرة ولن نحيد عن المبادئ الثابتة في عقيدتنا طالما أنّ كتاب الله المحفوظ القرآن الكريم وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم هما منهجنا في الدلالة على الخير في المملكة العربية السعودية خاصة. لماذا لا نحقق الخيال ونبني المدينة الفاضلة بما لدينا من مقوّمات مستمدة من كتاب الله وسنّة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، إنّ ذلك ليس مستحيلاً وليس من المستحيل أن نغير من أنفسنا ... فهل نحن فاعلون؟!! لا أشك في ذلك فقد سخّر الله رجالاً أفاضل من العلماء في جميع مدن وقرى المملكة العربية السعودية، يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويدلون الناس على الخير في بلادنا خاصة والعالم الإسلامي عامة، إنني لن أخص أحداً منهم بالذِّكر لأنهم يشبهون القمر في تمامه وتشهد لهم أعمالهم عند الله وعند عباده حفظهم الله وبارك لنا فيهم وزادهم فقهاً في دينه، وأسبغ عليهم الصحة والسعادة وجعلهم من الفائزين الأحياء منهم والميتين، وهناك رجال أعمال كرام لا يحبون ذكر أسمائهم، وفّقهم الله لفعل الخير، فقاموا بمساعدة المحتاجين وينفقون على بيوت فقيرة مع المواطنين والمقيمين وأربطه ويدفعون نفقات مستشفيات للمرضى المحتاجين ويدفعون أموالاً كثيرة في سبيل إسعاد أطفال أيتام ونساء أرامل أو مطلقات، أرجو الله العلي الكبير أن يتجاوز عنهم ويدخلهم في رحمته وأن يقتدي بهم الآخرون من أصحاب الشركات والمؤسسات العملاقة بما يشفع لهم عند الله يوم القيامة، أما الذين لا يملكون غير جهدهم البدني في العمل التطوعي من أجل إيصال المعونات للمحتاجين وإصلاح ذات البين وجميع أعمال الخير .. أرجو الله العلي الكبير أنّ يكثر من أمثالهم وأن يرزقهم من خيري الدنيا والآخرة لما يقومون به من جهود موفّقة في الدلالة على الخير في جميع أمور الخير وصنوف البر. لقد أحببت أن أذكِّر نفسي وإيّاكم بأهمية الدلالة على الخير لما في ذلك من صيانة حقيقية للمجتمع من الفساد والانحلال .. وصدق الله العظيم القائل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ....}الآية .. والله الموفِّق والهادي وبه نستعين والحمد لله رب العالمين.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد