Al Jazirah NewsPaper Monday  22/12/2008 G Issue 13234
الأثنين 24 ذو الحجة 1429   العدد  13234
ثقافة الانتقاد والتجريح..!
دلال عبدالعزيز الضبيب

عندما تطيل النظر حولك تجد أن ثقافة الانتقاد موجودة منذ بدأ الله سبحانه هذه الخليقة، عندما انتقد إبليس آدم عليه والسلام في عدم الأكل من الشجرة المحرمة، فهو ليس أمر مستحدث أو حديث عهد بنا، ولكن التعامل الإيجابي معه هو ما يهمنا.

أن تكون كاملاً يعني أنك تضرب في عنق المستحيل ولا تقتله!

كلنا يعرف أن الكمال لله وحده، وأن الكل بلا شك يسعى للوصول إلى هذه المرحلة سواء بينه وبين نفسه أو أمام الناس! فإذا كنا نعتقد ذلك.. أنّ لا أحد منا نتيجة لهذا منزه عن الخطأ.. عندها يمكننا أن نغفر ونسامح ونسمح للعمل أن يمر دون أن يدقق ويكبر بالمجهر، عندها يمكننا أن نتعامل مع الأخطاء بروية ورحمة.

ولكن، عندما يتطور الأمر إلى مرحلة (مجرد انتقاد) والحكم على الأشخاص، أو إطلاق أحكام مسبقة أو سريعة وطبعاً كلها عشوائية.. هنا نقع في فوهة بركان المشكلة.

ثقافة الانتقاد أدت مؤخراً في مجتمعنا إلى هذه المرحلة التي لا وجود لوصف سيئ بما فيه الكفاية يليق بها؛ فهو أمر انتشر للأسف وصار يصب في قوالب ويرقم بأرقام.

ثقافة الانتقاد أدت إلى أن يكون الفرد عندنا في أريحيته، عندما يجلس على كرسي في أحد المقاهي، ويبدأ وبكل ثقة وبدون مجال للشك أو التشكيك أو النقاش في إطلاق صفات على الأشخاص أو ضم بعضهم إلى مجموعات معينة.

وعندما تناقش أياً من الذين يجدون سهولة كبيرة في إطلاق أحكام مطلقة على العالم بدون أدنى تردد، يقول إن الخير يخص والشر يعم. والأمثلة تطول والقائمة لا تنتهي.

كن مؤمناً بأن النقد إن لم يكن منطقياً ومعقولاً فهو يرتبط بالجرح.. لذلك يقال: نقد جارح ونقد بنّاء! فهو يغرس في النفس ويدميها، فهو كالملح يذر فوق الجروح الغائرة، فهو الوجع الذي يصل الدماغ كالسيف القاطع.

قبل أن تعمد إلى رؤية أخطاء الآخرين، التفت إلى عيوبك أولاً، فبالتأكيد أنت لست براء منها، حاول تعرية نفسك أمام مرآة واقعك. أمام محيطك، حاول أن تجد أخطاءك بنفسك؛ فذلك سيجعلك أكثر قوة وأكثر منطقية في انتقاد الغير.

يقال إن سقراط كان جالساً - ذات يوم - مع أحد تلاميذه على حافة بركة فيها ماء راكد، فقال سقراط لتلميذه: ما هذه البركة؟

قال التلميذ: إنه الماء.

إلا أن سقراط بدأ يستدل له أن ذلك ليس ماء، وأورد عشرات الأدلة على ما ذهب إليه، واستسلم التلميذ لأستاذه رغم قناعته بعكس ما قال. غير أن سقراط مد يده إلى البركة، واغترف كفاً من الماء، ثم رماه في البركة، وقال لتلميذه: هذه الحقيقة أكبر دليل لك على أنه ماء، وأن ما ذهبت إليه ليس صحيحاً.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد