Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/12/2008 G Issue 13235
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1429   العدد  13235
مجلس الشورى: قراءة في تجربة تحديثه
د. سعد بن عبدالعزيز الراشد

تفضل علي الزميل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي (الإعلامي والأكاديمي) عضو مجلس الشورى (سابقاً)، بإهدائي كتاباً جميلاً في شكله وحسن طباعته، ثري بمادة مهمة تتصل بمسيرة مجلس الشورى عبر دوراته السابقة،

متضمنة الطموحات والآمال التي يتطلع إليها المجتمع في الدورة المقبلة للمجلس، ويشتمل الكتاب على سبعة محاور رئيسة تناولت:

* المجلس: سلطة تنظيمية

* نظام المجلس ولوائحه

* عضوية المجلس

* أداء المجلس

* المجلس والمجتمع

* المجلس والهيئات الأخرى (المحلية والخارجية)

* تجارب شخصية

وضع محرر الكتاب (د. عبدالرحمن الشبيلي) مقدمة رقيقة في أسلوبها، تلخص قصة بعث وتحديث مجلس الشورى حتى صدور نظامه الجديد عام 1412هـ، في عهد الملك فهد -رحمه الله-. وقد بلغت الفترة الزمنية بين صدور قرار تشكيل المجلس وبداية تكوينه في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- زهاء ستين عاماً (1343هـ - 1412هـ)، مر بها المجلس في تشكيلاته ونظامه في صور عدة هي:

مجلس استشاري: مجلس أهلي، مجلس شورى ثم أخذ مسمى (مجلس الشورى) الذي هو عليه اليوم، وقبل أن نستعرض محتوى الكتاب فلابد من الإشارة إلى أن هناك دراسات وبحوثا وندوات ومؤلفات عن مجلس الشورى، ومسيرته في المملكة العربية السعودية، لكن هذا الكتاب الذي بين أيدينا له أهمية ووزناً خاصاً، لكونه يشتمل على تجارب المشاركين فيه، وآراء هادفة ونبيلة في مقصدها، وتطلعات وآمال أبناء الوطن لمسؤولية المجلس (التشريعية والتنظيمية) في مرحلته القادمة.

توضح محاور الكتاب (1-6) مفاهيم متعددة عن عمل المجلس، ودوره في خدمة الوطن والمواطن، والرسالة التي يحملها في ترسيخ الشورى، وحضور المجلس خارجياً من خلال الزيارات المتبادلة مع المجالس المتماثلة، وأثر ذلك في توضيح مكانة المملكة بين دول العالم، ومحصلة أداء المجلس في دوراته الأربع، وتحليلا لأبرز النقاط الواردة في المحور السابع.

يأتي ثقل هذا الكتاب وأهميته في المحور السابع الذي يبرز التجربة الشخصية لثمانية من أعضاء المجلس الذين عملوا على مدى اثني عشر عاما (ثلاث دورات متتالية) هؤلاء الثمانية وبدون ألقاب هم: (زهير السباعي، زياد السديري، صالح المالك -رحمه الله-، عبدالرحمن الجعفري، عبدالرحمن الشبيلي، عبدالعزيز النعيم، فالح الفالح، محمد الشريف). دوّن كل واحد من هؤلاء، رؤى عن تجربة ثرية في المجلس. جميل أن يقرأ الإنسان تجربة خاضها أشخاص عرَفهم عن قرب، أو زمالة عمل، أو مشاركة في لجان، أو تعارف وخلاف ذلك. وفي ظني أن ما دونوه من تجارب مختصرة حكمها منهج الكتاب وأسلوبه، وربما كان لدى بعضهم المزيد مما لم يقله في هذه التجربة. ومن قراءة المادة التي دونها أصحاب هذه التجربة، يتضح أن مجلس الشورى قطع مرحلة مهمة من أهم مراحل التطوير والتحديث في المملكة العربية السعودية. وتبين أن العمل في المجلس في دوراته السابقة لم يكن نزهة، ولن يكون كذلك في الدورات القادمة. لقد أثبت أعضاء المجلس في دورته الأولى (تحديداً) والدورات الثلاث اللاحقة حسن ظن الدولة بهم، ولم يأت تمثيلهم مناطقياً أو عشائرياً، ولا أعتقد أن هذه هي سياسة الدولة في اختيار عضو مجلس الشورى، وإن كانت هناك تفسيرات مغايرة لدى بعضهم، لكن الاختصاص والخبرة والكفاءة والقدرة في نظر وليّ الأمر - مقدمة على غيرها من أي معايير أخرى في الاختيار. وقد أجمع المشاركون في المحور السابع من الكتاب على نقاط جوهرية ومنها:

1- الإدارة القوية والحكيمة للمجلس.

2- الانسجام والألفة والشعور بالمسؤولية بين الأعضاء.

3- استشعار أعضاء المجلس وتفاعلهم مع قضايا المجتمع وهمومه.

4- المجلس صمام أمان للدولة في مراجعة الأنظمة واللوائح والاتفاقيات الدولية وتقارير أداء المصالح الحكومية وتقديم النصح المشورة للقضايا التي تعود بالنفع للوطن والمجتمع.

5- نجاح المجلس في التعامل مع عدد من المواضيع الشائكة في الاقتصاد والتعليم والقضايا الاجتماعية وما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع.

6- الانفتاح التدريجي المتوازن مع وسائل الإعلام والمجتمع.

ويتفق أصحاب التجربة الطويلة في دورات المجلس الثلاث (الأولى) أن المجلس بحاجة إلى المزيد من التطوير، وتحسين الأداء، وكسب المزيد من الصلاحيات، وتكثيف تفاعله مع قضايا المجتمع، ومنح المرأة المشاركة في عضوية المجلس بنسبة متوازنة.

وتأكيداً لما دونه أصحاب التجربة أضف أنه أثناء عملي بوزارة التربية والتعليم أتيحت لي الفرصة - مع زملائي مسؤولي الوزارة - حضور مناقشات تقارير الوزارة السنوية ومواضيع أخرى تتصل بمسؤولية الوزارة في شؤون الثقافة والتراث، مع اللجان المختصة داخل المجلس والاستماع للمناقشات في الجلسات الرئيسية، وكان معالي الدكتور محمد الرشيد (وزير التربية) وهو القادم من مظلة المجلس في منتصف دورته الثانية شديد الحرص على أن تكون تقارير الوزارة المرفوعة للمجلس مدروسة بعناية، ويحث زملاءه المسؤولين على أن ينصتوا ويستفيدوا من آراء ومقترحات لجان المجلس، ولا يضيقوا ذرعا بالنقد أو الاستفسارات أو الأسئلة، لأن الهدف الأسمى هو تعزيز وتقوية أداء عمل الوزارة ورسالتها السامية. هذا الأسلوب للمجلس في مناقشة الوزراء والمسؤولين وفقاً لصلاحية المجلس، فيه فائدة كبيرة وتحقيق مصلحة للوطن، فما يتوصل إليه المجلس من قرارات وتوصيات تعين المسؤول الأول في الدولة على اتخاذ القرار المناسب.

أما رئيس المجلس الشيخ محمد بن جبير -رحمه الله- فقد كان حقاً، ربانا ماهرا، استطاع بعلمه وخبرته الإدارية والشرعية، وبحكمته وخلقه الرفيع قيادة مجلس الشورى خلال حقبة من الزمن (1412 - 1422هـ)، وأذكر في لقاء مع معاليه بمكتبه، إنه تحدث عن أعمال ومسؤولية مجلس الشورى بجملة ذات مغزى كبير وهي: (يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر). وقد سار خلفه في رئاسة المجلس معالي الدكتور صالح بن حميد، بنفس النهج وله بصمات في تطوير أداء المجلس تذكر فتشكر.

ومع تطلعاتنا للمزيد من العطاء للمجلس في دورته الخامسة فإننا نتوقع أن ينتقل (المجلس) إلى الميدان في مختلف أرجاء المملكة، من خلال لجانه المتخصصة، والتواصل مع أكبر شريحة من المواطنين، حتى تكون توصيات المجلس وقراراته متوافقة مع واقع الحال. هناك قصور في تطبيق الأنظمة التي تتصل بحياة المجتمع اليومية، تمنياتي أن تناقش القضايا التي لم يتمكن المجلس من إعطاء رأي فيها لكونها مرتبطة بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، فيعقد لها ندوات وورش عمل، يشارك فيها نخب من أعضاء المجلس وشرائح المجتمع، وبهذا تزول الضبابية ولا تترك لاجتهادات أفراد من أعضاء المجلس ليتحدثوا عنها بشكل فردي فتسبب إرباكاً في المجتمع وتفسيرات لدى وسائل الإعلام محليا وخارجيا، بعيدة عن الواقع. نريد من المجلس تقصي أوجه القصور في الخدمات وتحسين الأداء، فمجلس الشورى هو عين المواطن وسمعه، فمهما كانت أبواب ولاة الامر مفتوحة وتوجيهات الدولة واضحة، تظل مبادرات مجلس الشورى وتوصياته أقوى لأنها تأتي بعد دراسة وتمحيص من فئة مختارة يمثلون الوطن بأكمله.

وفي الختام شكراً للدكتور عبدالرحمن الشبيلي، ولزملائه المشاركين بتجاربهم الشخصية.

والله الموفق،،



alrashid.saad@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد