Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/12/2008 G Issue 13235
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1429   العدد  13235
الإيرادات الأضخم في تاريخ الميزانيات السعودية
عام 2008 يموج بأعلى معدل للتضخم المحلي وأعلى معدل للركود العالمي في آن واحد

كتب - د. حسن الشقطي:

تريليون ريال ومائة مليون ريال هي حجم الإيرادات الفعلية في ميزانية عام 2008م، وهو المستوى الأعلى في تاريخ الميزانيات السعودية من حيث حجم الإيراد، وقد حدث هذا الإيراد حتى رغم التراجع الحاد في الأسعار العالمية للنفط منذ سبتمبر 2008 .. فقد انحدر أسعار النفط من مستوى 145 دولارا للبرميل إلى ما يقارب الـ 38 دولارا في منتصف ديسمبر 2008، فكيف بناء لو لم تسقط أسعار النفط من قمتها؟ بالطبع كنا يمكن أن نتوقع إيرادات في حدود الـ 1.5 تريليون ريال.

إن الميزانية الفعلية لعام 2008 تكاد تكون قد وضعت الاقتصاد السعودي في موضع جديد بين الاقتصاديات الكبرى .. فميزانية في حدود 1.1 تريليون تعني اقتصادا ثقيلا كان من الضروري أن يجالس اقتصاديات الدول الكبرى في قمة علاج الأزمة العالمية خلال الشهر الماضي.

ميزانية عام 2008 .. نجاح سياسة التحفظ؟

لقد نجح صانع قرار الميزانية نجاحا باهرا في صياغة الميزانية التقديرية لعام 2008، حيث إنه رغم أن حجم الإيرادات التقديرية لها لم يتجاوز نحو 450 مليار ريال، بلغ حجم الإيرادات الفعلية حوالي 1100 مليار ريال، أي بزيادة قدرها 650 مليار ريال، وهو مقدار ضخم يشير إلى مدى السياسة المتحفظة السعودية في إقرار الميزانية التقديرية لهذا العام. كما أن حجم الفائض المتوقع لم يتجاوز نحو 40 مليار ريال في الميزانية التقديرية، في حين أن حجم الفائض الفعلي بلغ 590 مليار ريال، أي أن تقديرات الفائض زادت بمقدار 550 مليار ريال في عام 2008م.

لأول مرة بوادر تنويع اقتصادي في أرقام ميزانية 2008م!!!

تعتبر هذه الميزانية ربما هي الأولى التي يتحرك فيها حجم الإيراد غير النفطي، حيث إن معرفة أن متوسط أسعار النفط خلال عام 2008 لم يتجاوز ال 100 دولار، ليشير إلى أن الحجم الضخم للإيرادات الفعلية قد نجم عن جانب آخر بجانب الإيرادات النفطية، وهو الإيرادات غير النفطية التي يبدو أنها قد بدأت تتحرك بشكل يوضح ثمرة الإيرادات النفطية الهائلة التي تم إنفاقها في الأعوام العديدة السابقة لإحراز التنويع الاقتصادي. أي أن الإيرادات النفطية في الميزانيات السابقة بدأت تحرز الهدف العميق لها وهو بدء حركة تنويع فعلية أدت إلى خلق إيرادات غير نفطية قادرة على ربما على قيادة الميزانيات في أعوام لاحقة.

إن الهلع الكبير الذي سببه التراجع الحاد في الأسعار العالمية للنفط على المستوى المحلي والذي برز في سوق الأسهم المحلي ليشير إلى قدر المخاوف التي بيدها المختصصون تجاه أي تراجع في أسعار النفط لأنها تمثل المورد الرئيس للميزانية، وبالتالي فدائما هناك مخاوف من انحدارها وبالتالي انحدار الإيرادات ومن ثم المصروفات التي تقود حركة النشاط الاقتصادي.

موازنة تقديرية أكثر تحفظا لعام 2009 ؟؟

لأول مرة أضخم إيراد فعلي وعجز متوقع كبير في موازنة سعودية .. إن لسان الحال ليقول ليشفق على صانع القرار الرسمي الذي سعى تقرير الموازنة التقديرية لعام 2009 .. فالوقت الحالي يشهد تغيرات مستمرة ومتواصلة في أهم ثلاث متغيرات ترتبط بالميزانية، وهي: (1) أسعار النفط العالمية (2) معدل التضخم المحلي (3) المعدل المتوقع للنمو الاقتصاد المحلي في ضوء الركود العالمي.

فأسعار النفط في انحدار مستمر ورغم ذلك فإن متوسط أسعار النفط لعام 2008 ككل تعتبر الأعلى في تاريخ النفط السعودي .. وإذا كانت الميزانية الفعلية قد حققت فائضا يفوق حجم الإنفاق التقديري، فإن موازنة العام الجديد تبدو أكثر تحفظا لأنه لا يتوقع بأي حال من الأحوال أن تنحدر عن مستوى 15 دولارا للبرميل.

كما أن الإيرادات غير النفطية يمكن أن تلعب دور الملطف لأول مرة حال انحدرت أسعار النفط عن المستويات المتوقعة لأي سبب من الأسباب لتعويض أي نقصان في الإيرادات النفطية.

موازنة عام 2009 ما بين التضخم والركود؟؟؟

إن لسان الحال ليقول إن صانع القرار في الموازنة التقديرية لعام 2009 قد سعى بجد لتحقيق مستوى إنفاق في عام 2009 ليفوق مستواه التقديري في عام 2008 لأن ميزانية عام 2008 كان ميزانية أقرب إلى توجه الانكماش .. ويعتبر جانب المصروفات في أي موازنة هو الجانب المحدد لتوجه السياسة المالية في الدولة .. وإذا كان جانب المصروفات التقديرية لعام 2009 أكبر من حجم المصروفات المقدرة في عام 2008، فإن هناك توجها توسعيا رئيسيا تستهدفه سياسة المالية لعام 2009، وتأتي هذه السياسة التوسعية حتى رغم التراجع الحاد المتوقع في الإيرادات النفطية .. أي أن صانع السياسة ضحى بالوضع المتحفظ، وقبل تحقيق عجز في موازنة 2009 في سبيل تحقيق التوسع المنشود وخاصة في ظل فترة يموج فيها الاقتصاد العالمي ببوادر ركود حاد، وبالتالي توقع أن يلقي بظلاله على الاقتصاد المحلي بإحداث ركود اقتصاد محلي أيضا.

لذلك، فإن تقرير سياسة توسعية لعام 2009 يعتبر أمرا يستحق الإشادة لصانع السياسة، لأنها سياسة توسعة في فترة انكماشية تستهدف مجابهة أي ميول ركودية قد...قد تحدث لاحقا في الاقتصاد المحلي.. وذلك رغم أنه حتى الآن لم تظهر مظاهر حقيقية لهذا الركود في السوق المحلي. أي أن موازنة عام 2009 تعتبر أقرب إلى الموازنة الاحترازية ضد الركود المحلي للنشاط الاقتصاد.

تقليص الدين العام إلى 13.5%:

تشير التوقعات الأولية إلى أن صافي حجم الدَّين العام سينخفض في نهاية العام المالي الحالي 1428-1429 (2008م) إلى 237 مليار ريال لتتقلص نسبته إلى حوالي 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام المالي الحالي مقارنةً بـ 18.7% في نهاية العام المالي الماضي 1427-1428 (2007م).

مصروفات 2009 ما بين خدمة المواطن وتعزيز قطاع الأعمال:

إن موازنة العام الجديد تمثل تحديا لصلابة الاقتصاد السعودي لأنها أعطت دفعة جديدة للقطاع الخدماتي الذي يقدم منافع لكافة المواطنين.. فالأمر الذي جاء أفضل من المتوقع كثيرا هو استمرار جوانب الإنفاق على قطاعات التعليم والتدريب بنحو 122.1 مليار ريال، والخدمات الصحية والاجتماعية بنحو 52.3 مليار ريال، والخدمات البلدية بنحو 18.9 مليار ريال، والنقل والمواصلات بنحو 19.2 مليار ريال، والمياه والزراعة والتجهيزات بنحو 35.4 مليار ريال.

إن توزيع بنود الإنفاق ليحقق هدفين معا في وقت واحد، هما الحفاظ على مستوى متقدم من الخدمات المقدمة للمواطنين، ومن جانب آخر تحفيز أوجه النشاط الاقتصادي، وخاصة للقطاع الخاص من خلال تعزيز الإنفاق الحكومي الذي يقود النشاط الاقتصادي بوجه عام وقطاع الاعمال بوجه خاص. أي أن صانع السياسة أعطى تركيز أعلى لخدمة المواطن وأيضا لخدمة واستمرار مساندة القطاع الخاص أو حركة النشاط الاقتصاد المحلي.



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد