قررت لجنة إسكان الطلبة الزائرين أن يشترك كل ثلاثة في غرفة.. وكان ثالثنا في الغرفة التي حملنا حقائبنا إليه.. طالبا من قرية نائية.. شابا هو أقرب إلى السقم من النحافة وإلى التوجس والخوف من الهدوء أو الصمت لاحظته يسترق النظر والسمع على ما نفعل أو نقول.. كنا بالنسبة له أغرابا في كل شيء ليس في اللهجة فقط بل اللبس والأطوار.. ولا شك فلقد كنا مزعجين كثيري الحركة والصياح..
يبدأ برنامجنا اليومي مبكرا في هذه الرحلة التي كافأتنا بها وزارة المعارف على تفوقنا في نتائج الدراسة الثانوية.. نتجمع للإفطار في بهو الطعام ثم نصعد في حافلة الجامعة التي استضافتنا لمدة أسبوعين في سكن طلابها وكان المشرف على المجموعة أستاذ عرف بمرونته وحسن إدارته ولطفه مع الطلبة. وكانت الرحلات اليومية طويلة تأخذ منا اليوم حتى مسائه.. نعود بعدها متعبين مرهقين إلى غرفتنا لتغيير ملابسنا والعودة إلى صالة كبيرة كان بها جهاز تلفاز كبير بمقاس ذلك الزمن.. نجتمع حوله وكان يريد مشاهدة محطة تختلف عن الأخرى.. وكان تعدد المحطات التلفزيونية ذلك الوقت للقادمين إلى المنطقة الشرقية من كل مدن المملكة أمرا مدهشا نغبطهم عليه.. فلقد كان مشاهد التلفزيون يحظى بقنوات البحرين وإيران والعراق وقناة خاصة من أرامكو ناهيك عن قناة المملكة التي كانت في بدايتها وبلونيها الأبيض والأسود.. كان ذلك بالتحديد في نهاية عام 1970م.
وكانت تلك الرحلة التي جمعت أربعين طالبا من مدن مختلفة تقاربوا في تفوقهم في الثانوية من مدارس المملكة ويأوي الجميع إلى غرفهم بعد تناول العشاء.. فالجو في الخارج كان خانقا رطبا لا يساعدنا على السمر الجماعي في فناء الجامعة.
وكنت وصاحبي نقضي سهرتنا في الغرفة في الوقت الذي كان ثالثنا يغط في نومه.. يتقلب أحيانا في فراشه كلما ارتفع صوتنا أو ضحكاتنا المجلجلة في الغرفة الصغيرة..
وذات صباح وعند تجمعنا للإفطار طلبنا المشرف على الرحلة وكان متجهما.. عرفنا بعدها أن ثالثنا وأظن اسمه سالم قد شكانا إليه.. وكنت أظن أن الشكوى بسبب صوتنا وضحكاتنا وقت نومه.. ولدهشتنا لم يكن ذلك هو السبب وراء الشكوى.. سألنا المشرف عما كنا نفعل غ ير الصياح والضحك قلنا لا شيء.. قال تذكروا تفاصيل ما حدث ليلة البارحة منكما.. فسردنا عليه كل شيء من لحظة دخولنا إلى أن عرف إننا سهرنا ليلتنا على لعبة بنك السعادة (مونوبولي) فانفجر المشرف ضاحكا وقال يجب أن ينتقل هذا البري من غرفتكما إلى مكان يحفظ عليه نفسه وهدوءه..
عرفنا بعدها أن زميلنا اتهمنا بالجنون لدى المشرف فكيف لاثنين في الثانوية يقضون الليل يتنازعون على الملايين والعقارات والمزارع يبيعون ويشترون ويتحاسبون على الخسارة والربح..
كانت هذه اللعبة بنك السعادة التي اختفت مؤخرا من الأسواق وظهر ما هو أدهى منها وأكثر جنونا.
كانت عبارة عن مربع من الورق عليه أشكال وألوان وأرقام ومربعات أقرب إلى النرد تفتتح بها حركة كل لاعب.. هذه اللعبة أخرجت سالم من الغرفة خوفا من أن يشاطره السكن اثنان اسماهما في شكواه بأنهما معتوهين يستيقظان نصف الليل يختصمان على الملايين والعقارات والمزارع كما أن هذه اللعبة أدخلت إلى غرفتنا ثالثا.. كان نهما للعب والسهر والحركة والصياح.. شاركنا اللعب الليلة الأولى.. وفي الليلة الثانية وبعد أن أنهكنا السهر رفض أن ينام وهددنا بالضرب إن نحن لم نسهر نشاطره لعبته المفضلة الضومنة..
وانتهت السهرة مع عبدالرحمن بتشابك بالأيدي والعصي هو يريد اللعب ونحن نريد النوم بعد أن استبد بنا التعب.
وكان ذلك جزاءنا بعد سالم المسالم..
صالح عبدالله بوقري