Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/01/2009 G Issue 13244
الخميس 04 محرم 1430   العدد  13244
كلنا حول الميزانية ندندن..!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

المواطن العادي والعالم المرتهن لأُمِّيَّة التخصص كلاهما يجهلان الكثير عن مصطلحات الميزانية ومقتضيات كل مصطلح، والميزانية التي يرقبها الكافة مُستهل كل عام لا يعرف دقائقها إلا ذوو الاختصاص من الاقتصاديين،

وكان يجب -والحالة تلك- أن تعقد الندوات الشارحة والوسيطة للتقريب بين غوامض الميزانية ومدركات المواطن المستهدف بها، ليكون على بينة من أمره، فالميزانية التي توجف بأرقامها ووعودها الطوبارية كل عام إن هي إلا منه وإليه، وحين لا يتقراها بلمسٍ ولا يعيها بِسمع يكون معها غريب الوجه واليد واللسان، والذي يعرفه منها رقمين تقديريين: الواردات والمصروفات، يلتقطهما من أول يوم، ثم يمضي لشأنه لا يلوي على شيء من دقائق المعلومات، وقد يعرف الفرق بين ميزانية عامه هذا والذي سبقه، والأهمية لا تقف عند المعرفة المجردة للغة الأرقام، بل تمتد إلى سرعة التنفيذ وتسديد التصرف، وتفادي التدوير الذي يقع فيه (البيروقراطيون). فالذين يتسلمون أنصبتهم منها ويخوضون معترك التنفيذ يتفاوتون في كل شيء، وذلك مكمن الخطورة والأهمية ومربط الفرس، إذ هم وحدهم الذين يترجمون الأرقام ويفعلون الميزانية، فإما أن يكونوا في مستوى الحدث أو يكونوا عقبة في طريق التنفيذ القاصد الذي حدده وعناه ولي الأمر في كلمة الإعلان عن الميزانية، فكم من مسؤول حال بين المواطن وما يشتهي، والميزانية لا تكون شيئاً مذكوراً حتى تندلق أرقامها في أرض الواقع وتنجلي ثمارها في المشاهد كلها: قلاع علم ومداخن مصانع وسوح مزارع ومشافي ومتنزهات وطرقات وتنمية شاملة تعم الوهاد والنجاد وبطون الأودية. وتحقيق ذلك كله بيد الوزارات والمصالح والهيئات التي جالدت وجاهدت وجادلت لإقرار مشاريعها، فالدولة أعطت وعلى الحكومة أن تتقبل هذا بقبول حسن وأن تتكفل بالتنفيذ الذي يحقق الأهداف والطموحات، ومتى استطاع كل قطاع أن يستغل نصيبه منها وأن يضعه في موضعه الذي حدد له من أول يوم عادت الميزانية بالرخاء، ومثلما أحسن الكسب أحسن الإنفاق، فالله سائِلُ كلّ راعٍ عما استرعاه، وبالذات عن المال العام والخاص مما اكتسبه وفيم أنفقه {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} و(لحم نبت على السحت النار أولى به) و(أطب مطعمك تجب دعوتك) وإذ لا يُحَدُّ سارق المال العام فإن لكل مواطن متعلقة يوم القيامة. وتعثر الميزانية نتيجة الجهل أو العجز أو الإهمال أو الاستغلال ينعكس أثره السيئ على حياة الأمة، ويقيني أن توسع الدولة في المأسسة كفيل بتلافي أي تقصير متى استطاعت تلك المؤسسات تحقيق المراد منها.

فالمجالس البلدية ومجالس المناطق لو عرف أعضاؤها ما خصص لمناطقهم من مشاريع ثم تابعوا ذلك من اللحظة الأولى وساءلوا المقصرين عن التنفيذ أو المتلاعبين فيه وحملوهم المسؤولية لاستقامت الأمور، وحققت الميزانية ما أريد منها وما أريد لها.

فهل من تعليمات تمنع العضو من معرفة حق المنطقة ومتابعة ذلك قبل التنفيذ وأثناءه وبعده ومعرفة الصادق من المقصر، لقد شوهدت مشاريع فقدت صلاحيتها قبل اكتمال عمرها الافتراضي، وشوهدت مشاريع أقل من حاجة المنطقة، وأخرى وضعت في غير موضعها، وما أحد أسهم بالترشيد الحكيم أو بالمساءلة مع أن ولي الأمر حين أنشأ هذه المجالس أراد منها أن تكون عيناً واعية تراقب عن قرب، ولا تأخذها بالحق لومة لائم، وإذ يُسلم الكافة بالتقصير، فإن المطلوب الرصد والمتابعة والتقويم والمساندة، وكلنا خطاؤون والخيرية في التلافي والتراجع لا في الإصرار على الحنث أو اللمم، ولكي يوضع كل مسؤول أمام نفسه فإن على جهات المراقبة والمحاسبة والمؤازرة والمشورة أن تشاطر وتسائل وبخاصة من لم يستغل ما فرض له في هذا الخير العميم الذي يغبطنا عليه القاصي والداني، فإن كان السبب تباطؤاً أو تقصيرا عزز جانبه وطورت آلياته، وإن لم يكن لديه استعداد لقبول الدعم والتطوير أميط عن الطريق فبقاؤه في هذا الزمن المواتي معوق لمشاريع الدولة، فكل من أمن المساءلة أساء التصرف وهان عليه أمر البلاد والعباد.

وكم نسمع أن وزارة أو مصلحة أو هيئة لم تنفذ ما اعتمد لها من مشاريع، وهذه حقيقة مؤذية، ولكننا قد لا نسمع عن مساءلة لهذا التفويت المخل بخطط التنمية، وخشية من أن يكون للمسؤول عذر ونحن نلوم إن المكاشفة والشفافية واستدعاء المسؤول أمام وسائل الإعلام في مجلس الشورى أو مجالس المناطق أو المجالس البلدية على مسمع ومرأى من المنتفعين والمتضررين ومساءلته أمام الرأي العام، ففي مثل ذلك ذب عن عرضه وتبرير لتصرفه إن كان عجزه مبرراً.

والمجالس الثلاثة الشورية والمناطقية والبلدية تغلب على سماتها المهمات النيابية وعليها أن تبعث الثقة والاطمئنان في نفوس المنيبين بما تمارسه من متابعة ومساءلة وتقويم، لا تعتمد التشهير ولا المزايدات ولا تركن إلى المواطأة ولا تتخذ بين ذلك سبيلاً، وإنما تبحث عن الحق، وتساند المحق، وتضيق الخناق على المقصر، وتكثف الرقابة وتتعرف على دخائل الأمور، فالدولة الرشيدة أرادت لحكومتها التنفيذية أن تكون تحت سمع المواطن وبصره، وهذه هي روح الشفافية التي يدعو لها ولي الأمر واختيار الكفاءات الوطنية لهذه المهمات النيابية يوجب على المكلف أن يكون راصداً أميناً ومتابعاً دقيقاً لمسيرة السلطة التنفيذية.

ويقيني أن مجلس الشورى هو المقر الطبيعي للمساءلة والمساندة لمن لم تسعفه الإمكانيات البشرية على إنجاز مهماته واستغلال اعتماداته، وعلى كافة أعضائه وبخاصة اللجان المختصة داخل المجلس أن يعرفوا المعتمد لكل وزارة من المشاريع وما أنجز منها وما لم ينجز فإذا قارب العام على الانصرام وقد تبين له أن جهة ما لم تتدارك أمرها حسن فيه استدعاء المسؤول أمام الملأ ومساءلته، فكم من مسؤول غمرته الاعتمادات التنموية وليس بين يديه من الآليات ما يستطيع معها تنفيذ ما خصص لإدارته وإذا أعيدت الاعتمادات نهش الناس عرضه وشنعوا عليه، ولو أتيحت له فرصة البوح والدفاع لحمل مرجعه على تفادي النقص وتهيئة الأجواء الملائمة لتنفيذ المشاريع المعتمدة، ولقد ركز خادم الحرمين الشريفين على أهمية الآلية المناسبة لتفادي ما يمكن تفاديه، كما حث الوزراء على مبادرة التنفيذ. والتقصير في التنفيذ قد يواكبه خطأ في التقدير، فالناس يتحدثون كثيراً عن وضع بعض المشاريع في غير موضعها، ويرددون في لغطهم أن توزيعها ربما لا يكون الأفضل، وأن مدناً أو محافظات تحتاج إلى مرافق لم تحظ بها وأن أخرى فوجئت بمرافق ليست بحاجة ملحة إليها، أو ربما أن فقه الأولويات لم تتح له فرصة التدخل، بحيث تكون مدينتان في حاجة إلى هذا المرفق أو ذاك، ولكن أحدهما أشد حاجة ثم يفاجأ الطرفان بما ليس في الحسبان إذ يعطي المرفق للمحتاج غير المتضرر ويؤجل المحتاج المتضرر، وليس هناك ما يمنع -والحالة تلك- من المساءلة عن هذا التصرف غير العادل، والمحقق لمقولة: (غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع).

والمملكة التي تستقبل ميزانية استثنائية بحاجة ماسة إلى كفاءات استثنائية لتفعيلها، ولا يمكن تحقيق تطلعات ولي الأمر إلا بالمكاشفة وتفادي أي معوق مهما كان صغيراً، ذلك أن الأودية الجارفة مصدرها قطرات الماء؛ والأزمات الخانقة في بعض المرافق الصحية والتعليمية لا يمكن توقعها في ظل هذه الميزانية الاستثنائية.

نسأل الله للبلاد والعباد وقادتها المخلصين مزيداً من الرخاء والاستقرار إنه ولي ذلك والقادر عليه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد