Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/01/2009 G Issue 13244
الخميس 04 محرم 1430   العدد  13244
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

أنماط التواصل الاجتماعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* أستاذي أنا أعاني من مشكلة هي الصمت بمعنى أن ما عندي القدرة على الأخذ والعطاء بالكلام (يعني كلمة ورد غطا) ودائماً يقولون لي لماذا لا تتكلمين في المناسبات الاجتماعية؟! وأنا أحس أنني ما أقدر أعبّر بالكلام؛ أو بالأصح أحياناً أحس أن ما عندي كلام أقوله، أو أحياناً يكون عندي رأي في موضوع معيّن وأحس بغصة ولا أستطيع أن أقوله، وهذا الشيء أتعب نفسيتي جداً لما أقارن نفسي بمن حولي وأراهم يتكلمون ويعبِّرون عن رأيهم أحس أن فيني نقصاً لأني لا أستطيع الكلام بارتياح مثلهم.. كلي أمل منك يا أستاذ أن تساعدني بتخطي المشكلة.

لك كل التقدير والاحترام وشكراً.

- أختي الكريمة جميل منك أن تمتلكي الشجاعة والقدرة على تلمس وجود مشكلة وقصور اجتماعي لديك، وهذا الأمر بحد ذاته سيلعب دوراً - بإذن الله - في تحسين مهاراتك الاجتماعية مستقبلاً؛ لأن الخطوة الأولى للتحسن هي الوعي والإدراك بوجود خلل معين وترك محاولات التبرير الخارجية؛ بمعنى تحمّل المسؤولية الشخصية عن تطوير السلوك الاجتماعي لديك. لكن في المقابل هناك فارق كبير بين جلد الذات وتضخيم حجم المشكلة لدرجة تبدأ معها بالتأثير على مستوى احترامك لذاتك وتشعرك بالتالي بأنك أقل من غيرك وتهز ثقتك بنفسك، وبين الوعي المطلوب وهو الوعي المتزن بأنك قادرة على التعبير عن نفسك اجتماعياً بطريقة أكثر ارتياحاً وتلقائية دون مقارنة نفسك بأي شخص آخر أياً كان لأن لكل منا كبشر خصائصه النفسية والاجتماعية المستقلة والمتفرّدة ومذاقه الخاص الذي أنعم الله عليه به والذي لا يمكن أن يشبهه به أحد.

هناك الكثير من المعلومات المهمة لم تورديها برسالتك لكنني سأحاول أن أتحدث عن جانبين أعتقد أنهما الأهم لوصف الشعور الذي تمرين به:

الأول: أن يكون هذا هو نمطك السلوكي الاجتماعي؛ بمعنى أنك تبنيت لنفسك نمطاً اجتماعياً منذ سنوات يقوم بشكل أساسي على احتواء مشاعرك الداخلية وعدم الاسترسال بها في المناسبات الاجتماعية كنوع من أنواع الاحتراز والحرص النفسي لتحقيق أمانك الداخلي. وأحياناً فإن من يتبنى هذا النوع من أنواع السلوك الاجتماعي يكون - وعلى عكس ما قد يظنه البعض - ذا شخصية بالغة الحساسية وسريعة التأثر.

من هنا يتضح سبب لجوء بعض الشخصيات لهذا النمط الاجتماعي كنوع من السياج النفسي (كلمة ورد غطا) بعيداً عن الاسترسال والتلقائية التي قد تقودهم في التواصل مع الآخرين إلى مناطق غير مريحة أبداً بالنسبة لهم.

وعلى الرغم من أن هذا النمط قد يبنى على مدى سنوات ويعبر عن منطقة ارتياح بشكل عام لدى الشخص إلا أن معظم الشخصيات التي تقع ضمن هذا الإطار تظهر من وقت لآخر شعوراً بعدم الإحساس بالتوافق والإشباع النفسي في المناسبات الاجتماعية بسبب الحنين المستمر إلى التعبير عن الذات الحقيقية بتلقائية والتخلص ولو مؤقتاً من القناع الاجتماعي. وهو ما قد يفسر شعورك بالتعب النفسي خصوصاً عندما تقارنين نفسك ببعض من حولك ممن لديهم قدرة على التعبير عن أنفسهم اجتماعياً بتلقائية أكبر، أو عندما يشير البعض إلى ملاحظتهم لكثرة صمتك وعدم مشاركتهم في الحديث مما يعرّضك للإحراج والخجل الذي بدوره يؤدي إلى شعور بالألم النفسي وعدم الارتياح.

إذا كان الوضع بهذا الشكل فقد تكون بعض تقنيات العلاج النفسي خصوصاً ما يُطلق عليه تقنيات توكيد الذات

Self Assertiveness Techniques ذات فائدة

ملموسة لك بحيث تستطيعين تدريجياً التعبير بوضوح وحزم أكبر عن آرائك وتكتسبين تلقائية أكبر في التعبير والاسترسال بالحديث.

يمكنك أيضاً الاستعانة ببعض الكتب الخاصة بمهارات الحوار والتواصل الاجتماعي وهي كثيرة لكن للأسف لا يحضرني اسم كتاب معيّن منها حالياً.

الثاني: أن يكون صمتك مصحوباً بأعراض قلق جسدية واضحة كالخفقان والتعرّق وارتعاش اليدين والتأتأة عند محاولة الكلام، ويظهر ذلك في مناسبات اجتماعية محددة خصوصاً المناسبات الكبيرة ذات الطابع الرسمي أو في وجود أشخاص لهم مكانة معينة عندك ويختلف الحال تماماً عند لقائك بصديقاتك المقرّبات، حيث تكونين أكثر تلقائيةً واسترسالاً بالكلام وأقل توتراً.

في هذه الحالة نحن نتحدث عن قلق اجتماعي باختلاف شدته من شخص لآخر، حيث قد يصل إلى أعراض قلق شديدة ومقيدة للإنسان تجعله يتجنب كثيراً المناسبات الاجتماعية ويبحث عن مهرب منها باختلاق التبريرات لنفسه. وهذا ما يُطلق عليه طبياً اسم الرهاب الاجتماعي

Social Phobia وللأسف الشديد فإن محاولة إنكار

وجود هذه المشكلة لدى البعض وعدم طلب المساعدة المتخصصة يؤدي بهم بعد فترة إلى الشعور بالاكتئاب نتيجة الوحدة والعزلة المفروضة عليهم قسراً ناهيك عن خسارتهم للكثير من الفرص في الحياة بشكل عام نتيجة تجنبهم لإحدى أهم وسائل النجاح والسعادة وهو التواصل الإنساني الفعَّال.

إذا كان هذا الأمر ينطبق على حالتك فمن الأفضل زيارة أحد الأطباء النفسيين والاستفادة من البرنامج العلاجي الخاص بذلك.

أسأل الله لك التوفيق والنجاح.

إضاءة

لا شيء في معادلة النجاح أهم من المثابرة والإصرار، لا الذكاء ولا الموهبة ولا حتى المعرفة الواسعة.

*دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


mohd829@yahoo.com e-mail :

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد